لعبة التسمية عند سلطان العميمي
العنوان لدى الروائي سلطان العميمي يكون العتبةَ التي تتمحور حولها معظم قصص مجموعته “إشارة لا تلفت الانتباه” ويكون الترميز لعبة القاصّ.
يواصل الكاتب والناقد الإماراتي سلطان العميمي في نحت مساره الأدبي المغاير، حيث يشتغل على الفكرة بالأساس في ما يكتبه، ينطلق من الفكرة ليقسّمها ويفككها إلى أفكار تؤدي إلى فرضيات وأحداث وعوالم مختلفة، في لعب على اللغة والأسماء. وهو ما نجده في مجموعته القصصية الأخيرة “إشارة لا تلفت الانتباه”.
يعمل الروائيّ والقاصّ الإماراتيّ سلطان العميمي في مجموعته القصصية “إشارة لا تلفت الانتباه” على اقتناص صور قد تبدو بسيطة أو مهمَلة من الواقع، لتظهيرها وصياغتها عبر قصص تتّكئ على الرمز لتوصل رسائل مختارة بعناية.
يكون العنوان لدى العميمي العتبةَ التي تتمحور حولها معظم قصص المجموعة (منشورات ثقافة، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2018)، ويكون الترميز لعبة القاصّ الأثيرة التي ينتقل عبرها من عالم حكائيّ لآخر ملقياً بإشاراته التي تنفتح على التأويلات بدورها، وتستثمر التراث لتفتح من خلاله كوى للمراجعة والتأويل.
عتبة العناوين
تكون العتبة التالية للعنوان معنونة بـ”عتبة”، ويفترض فيها القاصّ لو أن والده الراحل اختار له اسماً آخر غير اسم سلطان كاسم بخيت مثلاً. ويلفت إلى أنه لو فعل ذلك لتغيرت كنيته من “بوسلطان” إلى “بوبخيت”، ولتغيرت بعض أبيات القصائد التي ورد فيها ذكره باسم “بوسلطان”، وربما تغيرت قافيتها. وتراه يمضي في افتراض لو أن اسمه كان بخيت، ويكمل سيل الافتراضات المثيرة للتأويلات والتساؤلات.
يقسم العميمي مجموعته إلى قسمين، القسم الأول يشتمل على خمس عشرة قصة، تتراوح بين قصص متفاوتة الحجم، والتي تنقل صوراً متناثرة من حيوات متخيلة، يتماهى بعضها مع الواقع، وتنسلّ أخرى إلى عوالم الإيهام والتخييل، بحيث يكون التجريب والتنويع من أبرز ملامحها..
وفي القسم الثاني المعنون “وجبات” ينوع صاحب “غرفة واحدة لا تكفي” بين الوجبات القصصية المقدمة، ويختار لها عناوين مستلهمة من عالم الغذاء، محيلاً إلى مقولة أنّ الفنون أغذية الروح، ويقدم مقترحات – وجبات: وجبة سريعة، بين وجبتين، وجبة بطعم الخيبة، وجبة بطعم الهراء، وجبة من ورق.
في القصة الأولى التي يختار عنوانها عنواناً لمجموعته، يقصّ العميمي حكاية مكالمة هاتفية ترده، وهو الذي يجسّد بطل القصّة باسمه الصريح، ويوحي أنّه يحكي حكاية واقعية حدثت معه، بحيث يخلق حيرة لدى القارئ، ويثير السؤال إن كانت القصة حدثت معه حقّاً أم أنها من نسج خيال القاصّ الناسج لعوالم قصّته، المجرّب ثنائية اللبْس والتخييل، والمفترض أن الإشارات التي يظنها المرء بسيطة، ولا تلفت الانتباه، قد تحمل مغاز ورسائل أكثر ممّا قد يتخيّل.
يحكي في قصته أن هناك مَن يهاتفه، واسمه عبدالحق السنغالي، ويخبره أن هناك كنزاً مدفوناً تحت بيته، لكن بطل الحكاية لا يولي أي اهتمام للأمر، ويتناساه، لكنه حين يصادف حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، “الليلة 351” والتي تحكي عن محمد المغربي، وهو رجل من القاهرة حلم بأن هناك ثروة تنتظره في أصفهان، وبعد أن يعاني المشقات والأهوال ويخوض المغامرات للوصول إلى الموضع الذي حلم به، ويتم القبض عليه، ويُستجوب من قبل أحد الضباط، يختار أن يعترف بصراحة أنه يقتفي أثر حلمه، لكن لضابط يستهزئ به أشد الاستهزاء، ويسخر منه، ثم يخبره أنه حلم ثلاث مرات أن هناك كنزاً ينتظره في القاهرة، ووصف له بيت الرجل القاهري نفسه الذي عاد إلى بيته وأخرج الكنز المدفون فيه.
ينوه إلى أن الرحلة كانت واجبة كي يعلم أن الكنز مخبوء في بيته، وأنه لولا الإصرار على المضي وراء أثر الحلم لما تمكن من اكتشاف الكنز الذي ينام عليه في بيته. وهذه الحكاية هي نفسها تلك التي استلهمها البرازيلي باولو كويلهو في روايته “الخيميائي” الذائعة الصيت، والتي بناها على هذه الحكاية، حيث إنه أعاد توظيفها في سياق روائي، وأضفى عليها تفاصيل متخيلة من الرحلة، وحاول إسباغ بعض العبر والحكم عليها، في مسعى لتنسيب الابتكار لنفسه. والعميمي بإيراده هذه الحكاية، يحيلها إلى منبعها، إلى ألف ليلة وليلة، التي يدين لها كويلهو بالفكرة والتفاصيل والأجواء.
الاسم والمسمى
لعبة الاسم والمسمّى تحضر لدى صاحب “ص.ب: 1003” من باب الإيهام والإيحاء، حيث يكون الاسم جرحاً ورمزاً وكوّة لقراءة الواقع والتاريخ والأسطورة معاً، وكأني به يستعيد لقطات من سيرة “الاسم العربي الجريح” على طريقة عبدالكبير الخطيبي، لكن بنسخة حكائية، ومن خلال البحث في ما وراء التسمية والدلالة.
يشير العميمي إلى أن الاسم الذي يكون مختارا عادة ما يلتصق بصاحبه، يرسم مساره، ويبلور شخصيته بمعنى من المعاني، يرسم معالم رحلته إلى عالم الحلم والخيال، ويكون مفتاحاً للنبش والسؤال، ولعبة القاصّ في ميدان التخييل والتأويل والترميز، والذي يوحي بأنه قد يكون وسماً، أو جرحاً أو هدية.
يعتمد العميمي على التنويع والتجريب في عمله، هناك قصص توصف بأنها طويلة، وأخرى يمكن إدراجها تحت باب القصة القصيرة جداً، والتي لا تتجاوز السطر الواحد أو السطرين، كقصته “آخر الأحياء” التي يختصر فيها واقع مدينة غير مسماة، يسود فيها سلوك من الزيف والنفاق، يقول: “في جنازة آخر الرجال النبلاء، مشى آلاف الأموات في أهل المدينة لوداع آخر الأحياء!”.
وتذكّر أجواء هذه القصة الومضة بأخرى في مجموعته “غربان أنيقة” بعنوان “امتلاء” والتي تعكس الخواء الذي يملأ حياة البعض بحيث يشكل ستاراً يحجب عنه سراب الخديعة الماضية المستمرة معه، حيث يقول فيها: “حدّثها كيف أن سمعه مليء بصوتها، وعيناه مليئتان بوجهها، وأنه يحبها إلى درجة الامتلاء بها. وبعد أوّل يوم قضته معه، اكتشفت كم كان خاوياً”.
ويكون الاكتشاف خيطاً لامرئياً بين عوالم الحكايتين، ويكون التضاد بين الحي والميت، والامتلاء والخواء، دافعاً للبحث عن ثنائيات متضادة تشكّل تفاصيل الحياة، وإن بصيغ مختلفة متباينة.