تحوّلات الشّخصيّات الرّوائيّة في”إبرة الرّعب” و”عشبة ضارّة في الفردوس” لهيثم حسين
د. نازك سلمان بدير
يتّخذ الرّوائي والنّاقد هيثم حسين[1] الكتابةَ أداةً لتحرير المجتمع والشّخصيّات من العنف الملازم لها والواقع عليها، مقدّمًا من خلال روايتَيه” إبرة الرعب”[2] و”عشبة ضارّة في الفردوس”[3] تشريحًا عميقًا لنماذج عانت الاضطهاد النّفسي والاجتماعي والسّياسي، فانتهجت سبلًا متنوّعة في محاولة للخلاص، أفلح بعضها في مسعاه، واجترح حلولًا أنقذته من جحيم الواقع، وكرّس موقعًا في عالم جديد يلائم تطلعاته وبنى حياة مغايرة لما كان يعيشه. وأخفق بعضها الآخر في المحاولة، وعجز عن رفع حواجز الظّلم والانتهاك بمختلف أشكاله، فغرق في مستنقع الألم، وبقيت الشّخصيّة تدور في دائرة مقفلة من الصّراعات.
ستتمّ متابعة سيرورة تحوّل الشّخصيّات، بنجاحاتها وإخفاقاتها، من خلال هذه الدّراسة، لنرى كيف استطاع الكاتب أن ينجز مشروع تغيّير أحوال الشّخصيّات، وتاليًا، المجتمع.
وفي المقدّمة، عرض لإشكاليّات البحث، والمنهج الذي فرضته دراسة تحوّلات الشّخصيّات الرّوائيّة.
- المنهج
إنّ المتتبّع مسار الأحداث في الرّوايتين موضوع الدّراسة يرى كيف حفر الكاتب عميقًا في لا وعي الشّخصيّات، وكشف مركّبات النّقص التي تعاني منها. ويلاحظ المتلقّي ظروف تكوينها وانهيارها ما جعل الاختيار يقع على منهج التّحليل النّفسي كونه يساعد في كشف حياة الشّخصيّات، وطبيعتها، ونفسيّتها، وتضخّم الأنا، ومركّب النّقص الذي اعتورها.
وهذا المنهج ملائم لفهم تحوّلات الشّخصيّات المريضة نفسيًّا وصاحبة العاهات التي أورثتها أمراضًا اجتماعيّة. ويمَكِّن منهج التّحليل النّفسي من إدراك التغيّرات الذّهنيّة للشّخصيّة بعد تنقية النّفس[iv]، ولا سيّما من خلال العزلة، اختياريّة كانت أم قسريّة. كما أنّ الكاتب منَح سرْد العوالم الداخليّة والنّفسيّة مكانة مهمّة. ومن الخصائص المركزيّة في الرّوايتين موضوع الدّراسة الحضور القويّ لأساليب تشخيص العالم النّفسي.
برز منهج التّحليل النّفسي في النّقد والأدب بشكل علميّ منظّم مع سيغموند فرويد (Sigmund Freud/ 1856 – 1939) الذي يرى أنّ العمل الأدبي موقعٌ أثري له طبقات متراكمة من الدّلالة ولا بدّ من كشف غوامضه وأسراره[v]. فالإنسان يبني واقعه في علاقة أساسيّة مع رغباته المكبوتة ومخاوفه، ويعبّر عنها في صورة، أو لغة، أو خيال[vi].
يهدف هذا المنهج إلى فهْم الإنسان من جهة العقل والسّلوك بعد أن يبوح بأفكاره من طريق التّداعي الحُرّ. ويكشف العمليّات العقليّة اللاوعية، والعمليّات النّفسيّة الشّعوريّة واللاشعوريّة[vii]. والّلاشعور أو العقل الباطن هو مستودع للرّغبات والدوافع المكبوتة التي تتفاعل في الأعماق بشكل متواصل، لكن لا تطفو إلى مستوى الشّعور إلّا إذا توفّرت له الظروف المحفّزة لظهورها. فالأدب والفنّ ما هما إلّا تعبير عن اللاوعي الفردي[viii]، فظهرت الرّوايتان محاولة لتنفيس الكاتب عن أزمة شعب ينتمي إليه.
- الإشكاليّة
يطرح هذا البحث إشكاليّات متعدّدة، ويسعى إلى الإجابة عنها من خلال التّحليل. ولعلّ من أهمّها: بمَ تمثّل الصّراع الأساسي في شخصيّات “عشبة ضارّة في الفردوس”؟ أكان تحوّل الشّخصيات مجرّد تحوّل خارجيّ أم نفذ إلى عوالمها الدّاخليّة؟
إلى أيّ حدّ كانت شخصيّة نضال شخصيّة غير منسجمة مع المجتمع وأعادت ترتيب الفوضى فيه؟ أكانت تقنيات سرد الأحداث وتصرّفات نضال الواعية واللاوعية كفيلة بتبرير تعافيه وتبدّله إلى النّقيض؟
- الشّخصيّات وتحوّلاتها
- إبرة الرّعب
يقرّر الرّوائي صفات الشّخصيّة والمزايا التي سيلصقها بها. لكنّه لا يحتاج دائمًا إلى الوصف المظهري. المهم أنّه استطاع أن “يقيم علاقات منطقيّة متلاحمة بين وجود الشخصيّة وبين السّياق الاجتماعي والإيديولوجي الذي يندرج فيه ذلك الوجود”[ix].
يفسح هيثم حسين المجال أمام شخوصه لتقول ما تشاء، بصوتها، عن نفسها، فتقدّم ذاتها مباشرة إلى المتلقّي، مفصحة عن طبائعها، الواحدة تلو الأخرى.
- نضال: الشّخصيّة الإشكاليّة
- نموذج الشّاذ جنسيًّا
تحفل هذه الشخصيّة بالتّوترات والانفعالات النّفسيّة نتيجة دوافع داخليّة تتجلّى من خلال سلوكها وأفعالها. ويعاني “نضال” تناقضات في تركيبه النّفسي، ينتج من ذلك كلّه الصّعوبة التي يجدها في نسج علاقات سليمة مع المحيطين به[x].
ثمّة جزئيّة لها أثر في تشكيل شخصيّة “نضال” تتمثّل في “قلق تحديد هويّته”. ولقد حاول الكاتب أن يستكشف الظروف الموضوعيّة التي مرّت بها هذه الشخصيّة (نضال) يبدو الشّاذّ “ككائن حسّي تستبدّ به فكرة الاتّصال الجنسي بأشخاص من نفس الجنس [الجنس نفسه] فيظلّ يتصيّدهم ليعرض عليهم معاشرته بذلك الشّكل المخزي الذي ترفضه الشّرائع والأخلاق، وتعتبره موضوع تحريم دينيّ واجتماعيّ خصوصًا في بيئة تقليديّة”[xi]. هذه الرّغبة الحبيسة تستقرّ في اللاوعي، لكنّها في ما بعد ستجد لها متنفّسًا آخر من شأنه أن يخفي طبيعتها الحقيقيّة.[xii] وسيظهر ذلك جليًّا مع التّقدّم في السّرد ومتابعة التغيّرات اللاحقة شخصيّة نضال.
يتحدّث رضوان عن تعلّق نضال به وكيف أخذ يكافئه بالمال “بات يغرقني باللذّة والنّقود، يضاعف لي المبلغ في كلّ مرّة. أسرّ بأنّه مغرم بي لأنّني أشبعه أكثر من الضابط. لم أعلّق على ممارساته مع الضّابط، لأنّني كنت مشغولًا بنفسي ومشاريعي”[xiii].
في مشهد آخر، يروي رضوان استبداد الرّغبة بنضال بعد إنجاز مهمتها باستلام الأدوية من المركز، وتوزيعها على الصيدليّات واستلام المبالغ النّقديّة؛ في طريق العودة” أطفأ المحرّك، نظر في عينيّ، أمسك يديّ وقبّلهما، رجاني أن أقضي له حاجته، لأنّه يكاد ينفجر، أقسم بأنّه لن يسير خطوة واحدة إن لم ألبِّ مطلبه، ألقى بالمفاتيح إليّ، وهو موقن بأنّني لا أجيد السّواقة (…) نزل من السيّارة، توجّه صوب صخرة كبيرة، كانت تشكّل مع أخريات صندوقًا مفتوحًا، يمكننا من خلاله رؤية الطّريق، دون أن يتمكّن المارّة من رؤيتنا، أصررت على اتّخاذ جميع الاحتياطات الّلازمة، رضخ لطلباتي لأنّه لم يكن يفكّر بشيء سوى إرواء جنونه في تلك الطّريق الصّحراوية المنسيّة، كأنّما بثّت الخلوة فيه طاقة ورغبة”[xiv].
تواطأ رضوان معه، لبّى رغباته. لكن لسوء طالعه، لن يبقى الوضع كما هو، جاء قرار نقل نضال إلى مكان آخر. يقول: “إنّه يشعر باليتم لمفارقته. بكى كثيرًا تلك الليلة التي جاء فيها قرار نقله”.[xv]
لا تقدّم “إبرة الرعب” شذوذ” نضال “كما لو كان نزوةً أو حالة عابرة، بل إنّ الراوي يركّز على الحوادث التي جرت معه، ويصف ما يجري بالتّفصيل ليكشف استبداد المرض بهذه الشّخصيّة. لقد أتت الحادثة التي حصلت في الطّريق الصّحراويّ تتويجًا لشذوذه، وتأكيدًا “لنزوعه المرضيّ للجنسيّة المثليّة”.[xvi]
شكّل قرار النّقل حلقّة مفصليّة في مسيرة حياته، واتّخذ القرار بالتّغيير: التّحوّل لن يكون عرضيًّا أو هامشيًّا؛ يخطّط نضال للسّفر خارج القطر لإجراء عمليّة جراحيّة يبدّل فيها جنسه.
- التّحوّل في طريق العالم الافتراضي
لم يكن التّحوّل الجذريّ في شخصيّة نضال مجرّد تغيير جنسه (من ذكر إلى أنثى) إنّما أنشأ موقعًا الكترونيًّا يتبنّى فيه قضيّة المتحوّلين جنسيًّا، ويدافع عنهم. لم يعد هاجسه الجنس الذي كان منكبًّا عليه.[xvii] غيّر الزّمن فيه الكثير من الأشياء، الزمن، كما يقول، كفيلٌ بتغيير الإنسان وتبديل نوعه وجنسه، ولو كان ذلك عبر الأحاسيس. “كنت فيما سبق، ذكرًا، رقيق المشاعر، مرهف الأحاسيس، مؤنّث السلوك، الآن بعد أن غدوت أنثى، تبلّدت أحاسيسي، استرجلت سلوكيّاتي. أشعر بقلبي يتبلّد”[xviii].
بات صمّام أمان الموقع الذي صار بمثابة قنبلة موقوتة. لعلّ الشّعور الذييغمر نضال بعد هذا التّحوّل هو الشّعور بالتّحرر. سابقًا، كان يخشى فقدان من يتعلّق به يخاف ضياع اللذّة. أمّا اليوم، فيجد نفسه أمام كائن آخر تحوّل كلّ شيء فيه. استطاع نضال أن يتصالح مع نفسه، تحرّر من ماضيه، محاه من ذاكرته، فنجا.
لكن، ما قام به نضال من محاولات لمساعدة المتحوّلين جنسيًّا، بقي محصورًا في العالم الافتراضي، ولم تتوسّع دائرة أنشطته إلى الحيّز الواقعي، بل ظلّ متخفيًّا عن الأنظار، يكتب تحت اسم مستعار خوفًا من الملاحقة. لذلك يمكن القول، إنّ هذه الشّخصيّة سارت على درب التّحوّل من دون أن تتمكّن من عبوره بسلام.
ماذا عن رضوان وتحوّلات شخصيّته؟
أعلن “لاكان” (Jacques Lacan/ 1901- 1981) أحد روّاد الفكر البنيوي الرّبط بين اللغة وعلم النّفس والأدب في منهج شديد التّماسك، ووجد أن اللاشعور مبنيّ بطريقة لغوية. وبذلك، يعدّ الأدب أقرب التجليّات اللغويّة تمثيلًا لهذا اللاوعي، فتصبح بنية اللغة هي المدخل الصّحيح للنّقد النفسي.[xix]
- من هو رضوان؟ كيف يقدّمه الكاتب؟
رضوان: نموذج الشّخصيّة الازدواجيّة
يأتي وصف تصرّفات الشّخصيّة وأفعالها على لسانها هي. يفتتح السّرد بالتّعريف عن نفسه “أنا رضوان ابن موسو اللبناني. أُعرَف بالمرّض رضوان (…) أتعرّف إلى العالم عبر المؤخّرات، أحلّل نفسيّة كلّ امرئ من خلال مؤخّرته، عندما أحقن الإبر، أستطلع النّفسيّات وأستكشف الخبايا…”.[xx]
يصرّح رضوان عمّا يرتكبه بحقّ الآخرين. ضحاياه من القرويين، نساء ورجال على حدّ سواء. تفيض، على ألسنتهم، عورات المجتمع المنغلق الذي يتناقل الخبر، يضخّمه، يؤلّه ما يعجبه، ويدوس ما يتنافى ومزاجيته.
من خلال وصْف احتكاك رضوان بضحاياه واستغلاله لهم، استكشفَ خباياهم، وفضح قصصهم لإرواء رغبته هو. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، باتت الضّحية تستعذب “طقوس رضوان التي تسبق الحقن ولا سيّما النّسوة اللواتي يعانين جفافًا عاطفيًّا،[xxi] إذ “سرى التّمارض في أوصال معظم نسوة القرية، تعاظم التّشاكي من آلام مفاجئة تجتاح أجسادهنّ، تزعم كلّ واحدة أنّها بحاجة إلى إبر تشفيها”.[xxii]
كشف استغلال مشاعر البسطاء والتلاعب بهم نموذجًا من الشّخصيّات الموجودة في المجتمع، التي تغتصب بطريقتها الخاصّة، بإبرتها، الضّحيةَ، اغتصابًا ناعمًا. هو نوع آخر من التفنّن في ردّ ممارسة العنف على الأضعف، ربّما نتيجة الخناق الذي وجدت فيه الشّخصيّة- رضوان نفسها، ضمن دائرة ضيّقة تتعرّض إلى اضطهاد من قبل سلطة أعلى، فسعت إلى التّعويض والسيّطرة من خلال الانتقام المضادّ.
الازدواجيّة السّلوكيّة والأخلاقيّة لدى رضوان هي التي ستجعله يحدّد سلوكًا معلنًا في الخارج، وآخر خفيًّا للاستعمال الدّاخلي.
يبدو، من خلال أفعاله وما يبوح به، ساديًّا مولعًا بتعذيب الآخر، يجد لذّته في رؤية الدماء تسيل من ثقوب جسد ضحاياه إثر غرز إبرته “لم أهدأ إلاّ حين رأيت ثقوب جسده جميعها تسيل. لوّث ثيابه وفراشه. انغمر وانغمس بإسهاله بعدما سالت مؤخّرته. تبقّع الفراش ببوله الذي سال من غير تحكّم أو إرادة منه. دمعت عينه. سال المخاط من أنفه. شعرت براحة شبيهة بالرّاحة التي أحسست بها، عندما عدت من بيت شمّوسة ابنة البردكيّ. كنت أودّ الصّراخ بأعلى صوتي، كي أُبلِغ أبي أنّني نلت من كريزو”[xxiii].
يظهر في “إبرة الرّعب” طابع مزدوج في سلوك رضوان فيظهر كنموذج للشّخصيّة المتسلّطة التي تعاني اندفاعات جنسيّة عدوانيّة[xxiv]، يتصرّف كمضطرب نفسيّ لا يصل إلى الإحساس بالّلذة قبل إلحاق الأذى بالآخر.
يتابع الكاتب التّفاصيل التي تظهر استعصاء حالة رضوان المرضيّة، وبلوغ الحقد مدى أعمى بصيرته، إلى أن صار هاجسه الأوحد هو الانتقام عبر سلاحه “إبرة الرعب”:” “كنت أتحوّل إلى كائن آخر، عندما أستلم المؤخّرات. أنزع عنّي اللبوس الذي أتحايل به على القرويّين، تلك الأقنعة التي أقنعت نفسي وأقنعتهم بها، أرتدي حقيقتي التي أسعى إليها، تلك التي تروي بعضًا ممّا يغمرني من حقدٍ…”[xxv].
وهكذا “في مثل هذه الحالات الشّاذة تخرج الرغبات المكبوتة والأفكار الدّفينة السّارية في منطقة اللاشعور إلى منطقة الشّعور.”[xxvi] بين هذين السّلوكين المتناقضين (يتظاهر بخبرته بالتمريض، وهو مهووس بالجنس) تقوم شخصيّة رضوان كنموذج للشّخصيّة المركّبة التي تحمل وجهًا وقناعًا في الوقت ذاته، ما يضعنا أمام نموذج يعاني عدم التّطابق بين الظّاهر والباطن.
تتميّز شخصيّة رضوان بكثافة سيكولوجيّة طاغية برزت مضاعفاتها في شكل ازدواجيّة كشفت “عن اختلال في التّوازن النّفسي وعجز عن تحقيق التّوافق الاجتماعي المطلوب”[xxvii].
– رضوان وصحوة الضّمير
طرأ التّحوّل على ما تقوم به هذه الشّخصيّة، وما تقوله، وما تفكرّ فيه.[xxviii] تخرج هذه الشخصيّة الإشكالية “رضوان” عن مسارها، ويهيّئ الكاتب مرحلة “برزخيّة” تمهّد للتّحوّل الجذري الذي ستكون عليه؛ إذ يخرجها أوّلًا من الدائرة المكانيّة “القرية”. شكّل الانتقالُ إلى العمل في المشفى ومعاينة الفساد المستشري فيه والتلاعب بأرواح المواطنين، خطوةً أولى على طريق الرّفض. ومن ثمّ عمل الكاتب على سلخ الشّخصيّة عن الظروف المحيطة بها، عزلها، وضعها في مواجهةٍ مع الذّات، في السّجن، تطهيرًا لآثامها. هناك، تقف أمام مرآة النفس، ويكون القرارُ بالتّحول.
يأخذ مسار الحبكة الرّوائيّة المتلقّي إلى حيّز جديد يختاره رضوان: من مضطرب نفسيّ يعاني السّاديّة ويتغلغل فيه حبّ الانتقام من الآخر، إلى “مدافع عن حقوق الإنسان”! سكن رضوان مع نضال في دمشق، وكانا أوّل متساكنَين علنيَّين فيها. علّمته نضال كلّ ما يحتاج إليه في العمل على الكمبيوتر[xxix]. انضمّ إلى “منظّمة نضال الإنسان”. أدار الموقع في غياب نضال المتكرّر، “كانت تحمّل الأخبار والتقارير في الأماكن التي تسافر إليها”.[xxx]
انشغل برسالته الجديدة في الموقع الالكتروني. أضاف قسمًا رئيسًا هو “جمال الإنسان” وبات الموقع يحتلّ حيّز اهتمام الإعلام، شكّل هذا العالم الافتراضيّ جنّته،[xxxi] بعد أن كان حقْنُ الإبر عشقه، ونقطة تعلّقه بالعالم.[xxxii]
يعي رضوان التّحوّلات التي تحدث في داخله، يسترجع كيف كان يستشفي بحقن كريزو وتنتيفه، وكيف يتحوّل الآن إلى شخص آخر مختلف عندما يدخل الانترنت، ويساهم في حلّ المشكلات.
أتاح الكاتب لرضوان أن يروي سيرة تحوّلاته على لسانه هو، أخرج مكبوتاته من لا وعيه في محاولة للتّحرّر منها، والفكاك من أسر الماضي وهواجسه. يسترجع انهياراته، مراراته. والآن كلّ شيء تحوّل من حوله، سيرته هي “سيرة التّحوّل غير المنتهي”.[xxxiii] لقد تحوّلت رغباته، كما العالم، كلّه تحوّل، وتاليًا، يجد رضوان نفسه محكومًا بالتّحوّل.[xxxiv]
- عشبة ضارّة في الفردوس
لم تكن نقطة البداية في الرّواية هي نقطة بداية الأحداث التي تتحدّث عنها، كذلك فيما يتعلّق بنقطة نهايتها. “فالرّواية نهايات، ربّما لم يسجّلها المكتوب الرّوائي لأغراض فنيّة أو وظيفيّة تقتضيها البنية الرّوائيّة. إذ يتوالى استدعاء الأحداث وفق منطق الرّواية وحاجة موضوعها”.[xxxv]
التّحوّل:
تهجس الرّواية “بعنف التّحوّل الذي يركب مصائر الشّخصيّات، والفضاءات، والأزمنة المسكونة بالتّوتّر والدّيناميّة. تحوّلٌ ينبع من أعماق الذّات التّمثيليّة للوعي الجمعي في سفرها النّقدي (…) يمزج مصيرها بمهاويه، ويستفزّ الذّهن للخوض في لعبة التّماثل والتّماس، بين ماضي الذّات بهمومها وآمالها، ومسرى حياة الشّخصيّات ووظائف أفعالها”[xxxvi].
- موروي:
من موروي الأعمى إلى تاجر العقارات
ينصرف الرّاوي إلى وصف عاهة موروي (العمى) بشكل دقيق، كذلك عاهة زوجته (العرج) معتمدًا مبدأ التدرُّج الذي يقضي بأن يجري الانتقال من العامّ إلى الخاصّ، وفق وتيرة تدريجيّة تبدأ بظهور موروي العاجز، ثمّ تحوّله إلى ثريّ يمتلك البيوت والعقارات.
ينهض الرّاوي بمهمّة تقديم أوصاف (موروي) يكشف ملامحها، ويستبطن مشاعرها، وكأنّه بذلك يصادر خصوصيّة الشّخصيّة[xxxvii]: لم يكن يمتلك مسكنًا، وصل لاجئًا، أغراضه في ثلاثة أكياس. ومن ثمّ نرى التحوّل المعاكس إذ صار موروي ملّاكا يبيع المساكن بعد أن كان هاجسه تأمين ملجأ يأويه. لم يكن يعلم إلامَ ستؤول إليه أحواله، وكيف ستتغيّر أموره وستتبدّل ويصبح من أهل الجاه والثراء: “إلى دمشق، إلى حيث بحر من البشر، وأمواج من الغرباء، يمكنك هناك أن تلغي ماضيك وتبدأ زمنًا جديدًا. لا أحد يهتمّ لما كنت عليه، أو كيف وصلت إليها. تستطيع إثبات ذاتك وسط فوضاها. قصد موروي وبهو وابنتاهما عنوان قريب نمرودو في ريف دمشق. شحنوا أغراضهم التي وضعت في ثلاثة أكياس معهم. أهمّ شيء تأمين مسكن للأسرة، بعد ذلك الأمور أسهل”. هكذا كان موروي يكرّر لبهو.[xxxviii]
وإن كان قد تركّز الوصف في جزء كبير من النّصّ على العاهة الجسديّة كونها صفة مائزة من الناحية العضويّة، فإنّ الرّواية، في المرحلة الأخيرة، أتت بإضافة جديدة هي مائزة أيضًا للشّخصيّة (موروي) موضوع التقديم وهي صفتها الاجتماعيّة.[xxxix]
وبتتبّعنا لمسار شخصيّة موروي الأعمى في إطارها الخطّي، نجد مظاهر ذلك النّموّ المطّرد الذي تشهده الشّخصيّة “ويكون جوابًا على التّحوّلات الطّارئة على بنية المجتمع”[xl].
لم يعرف موروي أنّه سيصبح مختار حيّ الأكراد العشوائيّ في قرية المنارة، الحيّ الذي سيتشكّل وينمو بطريقة غريبة، يكثر النّاس بالتّهافت عليه من البلدة والقرى المجاورة لها، ويستعينون به وبصهره أبي مأمون الكردي للعثور على بيت بالأجرة أو الرهن أو الشراء بالتقسيط. لم يعرف أنّه سيصبح دلّال المنارة، مستشارته زوجته بهو التي تعرف كلّ الوافدين، وتفاصيل أسرهم، وعدد أبنائهم وبناتهم[xli].
ويسخر صهره من نجاح عمل الفرد بدلًا من عمل الجماعة: “يضحك أبو مأمون وهو يخبر موروي أنّه يحقّق ما عجزت عنه الأحزاب الكرديّة من تكاتف وتعاضد وتوحّد، وأنّه يحقّق للوافدين العدالة والمساواة، بكلّ البيوت مثل بعضها البعض، كما أنّهم كلّهم قد تركوا أرضهم ومدنهم ولاذوا به، وهو يتكفّل بتحقيق إنجازات لافتة لهم، من حيث تأمين المأوى، والسّعي لتدبير عمل لهم ولأبنائهم وبناتهم”[xlii]. وكأنه اضطلع بدور وزير شؤون الاجتماعية والمهجّرين.
وعلى هذا النّحو يكون “الرّاوي قد أحكم حلقة أساسيّة في تقديم هذه الشّخصيّة بفضل المعلومات الغزيرة التي عرضها عن مظهرها الخارجي وإطارها الاجتماعي، وكلّ ذلك مصحوب بالتّدخّل المباشر عن طريق التّفسير والتّأويل ممّا يؤكّد سلطة الراوي وهيمنته الكليّة في هذا النّمط من التّقديم”[xliii].
رهاب الماضي يلاحق موروي
لكن، على الرّغم من التّحوّلات العميقة التي أصابت هذه الشّخصيّة، إلّا أنّها لم تستطع الإفلات من الماضي أو أن تطوي صفحته. ربّما عقد صفقة مع الماضي، لكنّه لم يتجاوزه، بقي فاعلًا فيه، وكأنّه جزء من القدر المسلّط علي[xliv]: محاولة يائسة للتشفّي من الماضي، كما كان يصارح بهو بتشفّيه من أهل البلدة الذين كانوا يتغامزون عليه، ويسيئون لسمعته وسمعة أسرته، وكيف أنّ كثيرًا منهم لجؤوا إليه، وبدأوا بكيل المدائح له، وتوصيفه بالكرم، مؤكّدًا أنّ المال كفيل بمحو أيّ ماضٍ مهما بلغ من القذارة، وأنّ سلطة الأمر الواقع تمنح صاحبها حرّيّة التصرّف، وأنّ للزعامة سحرها الجذّاب، وأنّه ينتشي بسماع استجداء الناس الوافدين له، سواء بتأجير خيمة أو بيت أو تأمين عمل للأولاد.
بقيت علاقة الشّخصيّة موروي مع الزمن الماضي علاقة مأزومة، لم ينجح في الإفلات من قبضة الزّمن الذي بقي يلاحقه.[xlv] فيتذكّر “حالته حين كان في البلدة فقيرًا معدمًا، لم يكن أحد يحترمه، كان لسانه السّليط ينقذه جزئيًّا من استهزاء الجميع به، لكنّه لم يكن يضمن له أيّة حماية أو احترام، كان لاذعًا، والسّباب الذي يطلقه من دون تحسّب يتكفل بسدّ الأفواه عن لوْك سيرته وسيرة بهو أمامه. كان كلّ ما حوله يشعره بنقصه ودونيّته”[xlvi]، ذلك كلّه كان مختزنًا في الّلاشعور. وفي المنارة، بات كلّ ما حوله يشعره بالرّضى عن ذاته.
حقّقت هجرة موروي نزوعه القاتل إلى الزّعامة والحظوة بالاحترام الذي كان يرغب به ويفتقده في البلدة. وكان هروبه ببهو وابنتيه “بمثابة خلاص من جحيم ما انفكّ يضيّق الحصار عليه يومًا بيوم، ويكاد يخنقه”[xlvii].
موروي ومركّب النّقص:
على الرّغم مما حققّه في المنارة، بقي موروي يعاني مركّب النّقص، ويسعى إلى إثبات وجوده “من خلال السّيطرة بأيّ شكل من الأشكال… وإنّ أي فشل في السيطرة يؤدّي بالإنسان إلى الإحساس بالنقص”[xlviii].
لذلك، مع تبدّد معالم حلمه أمام ناظريه، تعاظمت عقدته، “الأرض التي بدت له صلبة بدأت تتزلزل تحته، شعر بالتصدّعات والتشقّقات تجتاح بيوته، هل هي انهيارات متخيّلة؟ هل هي أوهام وكوابيس؟ ما الذي يجري؟ أيعقل أن ينهار عالمه كلّه في لحظة واحدة؟ أيّ غول مجنون فتك به وغافله؟
أخذ المكان الشّبيه بالمتاهة يفقد معالمه، جدران تتهاوى من هنا وهناك، أسوأ كوابيسه تتجسّد أمامه. لم يكن يحسب حساب العواصف الجوّيّة ولا الأعاصير، كان يجد متاهته راسخة برغم معرفته أنّها من دون أسس عميقة ضاربة في الأرض. فالطّوابق التي راكمها فوق بعضها البعض من دون أيّ أساس متين، واكتفى بالاعتماد على الأرض الصّخريّة بدأت تتهشّم كأنّ هناك قوّة تدوسها من الأعلى”[xlix].
أخذت “تتهاوى البيوت من حوله، وهو يدور في السّاحة التي تطلّ عليها الأبواب، تلك السّاحة التي أسماها ميدان أبي جميلة، تتطاير الشّظايا بقربه. لا يكترث لشيء، يكمل رقصته الوحشيّة، ويقهقه، ويصرخ. يشير بعصاه إلى جهة الصّوت من الأعلى، يرسم إشارة السّخرية والاستهزاء، يرفع عصاه كمن يرفع إصبعه الوسطى أو السبّابة مؤكّدًا لغريمه أنّه قد نال منه وفتك به. يلعن الجميع، يصرخ بأعلى صوته: “أنا المبصر الوحيد بينكم أيّها العميان”.[l]
بدا ردّ فعله تعويضًا سلبيًّا عن مركّب النقص، ونوعًا من السّخط والتّبرّم والسّخرية والاستهزاء. حاول أن ينتقص من قيمة الآخرين ليظهر متفوّقًا على المبصرين.
- جميلة: من فتاة مهمّشة إلى نجمة لامعة
– الهويّة المغَيَّبة
لعلّ الجديد في التّعامل مع هذه الشّخصية “جميلة” هو التّركيز على الأعمال التي تقوم بها، وعلى نوعية هذه الأعمال[li]. لقد تمّ التقليل من أهميّة أوصافها، لأنّ التحول هو تحوّل أفعال؛ على الرّغم من الأدوار التي قامت بها جميلة في “عشبة ضارّة في الفردوس” والتّحوّلات التي عرفتها، وكان للجسد دور فيها، إلّا أنّنا لا نقع على وصف للمظهر الخارجي لهذه الشّخصيّة، بل ثمّة إشارات مبثوثة في الرّواية تحيل على مظهرها حينًا، وعلى طبعها ومزاجها حينًا آخر [lii].
هوّيتها مغيّبة، يُنظَر إليها من خلال وجود والدها، لا على أساس أنّها إنسان له كيان مستقلّ: “درج القول على أنّني ابنة موروي الصّغرى لكن لا أحد يعلم حقيقة عمري – أمري، حتّى أمّي نفسها تبدو جاهلة بذلك”[liii].
في البداية، لم تكن جميلة تحلم بتغيير عالمها، كانت مستسلمة لواقعها، تشكّك في إمكانيّاتها على إحداث أي تحوّل. حضورها الباهت” لم يكن ليلفت أحدًا وسط جموع الطّالبات الفاتنات. اكتفيت بعالم الكتاب والقراءة. شكّلت المكتبة ملاذًا آمنًا لي. كنت أمضي فيها معظم وقتي، ولم أكن أحتاج إلى اختبار صوتي، وكأنّني ارتكنت لفرضيّة أنّني خرساء، وارتحت للدّور.كنت أتساءل ما الذي سيضيفه صوتي لآلاف الأصوات التي تعكّر الهدوء من حولي”[liv].
يبدأ عالم جميلة بالتّبلوّر تدريجيًّا بعيدًا من المنارة ومن والديها المشغولين بمتاهتهما وبالمهاجرين الجدد.
الدراسة:
أرادت جميلة أن تغيّر حياتها وتصنع مصيرها، أرادت أن تتمرّد على عمى أبيها، وعرج أمّها، “وتخطّ لنفسها مسارها بعيدًا عن العمى والعرج والتعكّز عليها، لم يكن لديها بدّ من الإبقاء على زوجها أبي مأمون عكّازاً لها. تؤمن أنّه لا بدّ من أن يكون المرء عكّازًا فترة حتّى يتمكّن من التعكّز على غيره، وأنّ الحياة مراحل مختلفة من التعكّز والتعكيز (…) اشترطت جميلة على أبي مأمون الكردي أن يسمح لها بتقديم الصف التاسع بدراسة حرّة، وأن تتعلّم لدى كوافيرة القرية. تردّد بداية، ولاسيّما أنّ أحواله ميسورة ولا يحتاج إلى عمل زوجته. إلّا أنّه رضخ لإلحاحها وطلبها، وأشغلته مفاتنها عن التّركيز على أيّ رفض أو عناد”[lv].
ركّزت جميلة على الدراسة.” كانت توقن أنّ تعلّمها يفتح لها طريق الحياة، تتعرّف كلّ يوم على أشياء جديدة، على عوالم مختلفة، على أناس مختلفين. استطاعت تجاوز شهادة الكفاءة ببساطة[lvi].
- جرمانا باب الشّهرة
لم تحتج جميلة إلى فترة طويلة كي تقنع زوجها بما خطّطت له من انتقال إلى جرمانا. “كان جسدها قوّتها الضاغطة وسلاحها الفتّاك لإقناعه، بين منحه له وحجبه عنه، مارست عليه ضغوطها ودهاءها وفنونها التي اكتشفتها في التمثيل، بالتدلّل والتذلّل، بمكر الأنثى قادته إلى الضفّة التي تريد. كان أبو مأمون ينهار أمامها، ما إن تلفّ له وسطها، وتبدأ بالرقص حتّى تقوده كحيوان أليف إلى مبتغاها”[lvii].
لم يكن التّحوّل العميق في وضع جميلة وليد الصّدفة أو حدثًا طارئًا لم يحسب له حساب، إنّما جاء في سياق تحوّل أعمق شمل المجتمع بأسره. عرفت هذه الشّخصيّة المحوريّة تحوّلًا جوهريًا لم يكن من الخارج فحسب، إنّما التّحوّل الأكثر أهميّة هو ما له اتّصال بعالمها الدّاخلي وتحوّل نفسيّتها[lviii]. لقد تم تكسير بناء عالم النّصّ مع انتقال جميلة “من وضع إلى وضع مختلف ومن حالة إلى حالة مغايرة”[lix].
تحوّلت “عشبة ضارّة في الفردوس”، في فصول منها، إلى عالم يحمل وعيًا جديدًا، ودلالة معاكسة لما افتتح به النّصّ الرّوائي بعد أن كانوا يعدّونها “هناك عشبة ضارّة يجب ألّا أدنّس فردوسهم الموهوم”[lx].
- من حضور باهت إلى حضور مشعّ ومؤثّر
يسوق لنا الكاتب فقرة تكشف “الاهتداء النّهائي للشّخصيّة، ويمهّد بها لحصول التّحوّل المنتظر في شكله الأكثر اكتمالًا واقناعًا”[lxi]؛ جميلة أو جيمي كما صارت تُعرَف في ما بعد[lxii]، هي شخصيّة متغيّرة ولا تتّصف بالثّبات ولا سيّما في الفصول المتقدّمة من الرّواية، ولقد “انعكست هذه الصّفات على وضعها في العالم الرّوائي وانسحبت كذلك على العلاقات التي تقيمها مع الشّخصيّات الأخرى”[lxiii].
تتعرّف، في جرمانا، إلى مخرج، “وتنتقل من فتاة بسيطة طيّبة إلى فتاة لعوب في السهرة التلفزيونيّة التي تشارك فيها. كأنّ الدّور الذي اختير لها في العمل، هو الدّور الذي يرسم لها في واقعها ومستقبلها”.[lxiv] يحرص المخرج على إبراز مفاتنها حين تؤدّي دورها. “يهندس شخصيّتها بما يناسب الدّور. يطلق فريسته في المدينة. يتكهّن لها بأنّها ستغدو مفترسة بعد ذلك. إنّه قانون غابة الفنّ”[lxv].
تحوّلت جميلة تحوّلًا جذريًّا: “تبدأ بسيطة، وتنتهي متجبّرة، متحكّمة. تنزع عن وجهها قناع البساطة والبراءة، لتضع أقنعة أخرى تظلّ مرافقة لها في حياتها الحقيقيّة أيضًا”[lxvi].
- الخاتمة
ظهرَت” إبرة الرعب” و”عشبة ضارّة في الفردوس” نتيجة أقوال الشّخصيّات وما شهدناه من تحوّلات، أرضيّةً خصبةً “لتصفية الحساب مع العالم الخارجي، ومع الّلغة، ومع الهموم المشتركة”[lxvii]. يبدو التّحوّل هو سيرورة الكون. ويمكن أن نقول مع رضوان، ومع الكاتب من خلفه: “أواصل سيري في درب التّحوّل الّلانهائي، عساني أعثر على ذاتي في مرآة العالم المتحوّل”[lxviii].
كما تجلّت من خلال متابعة حياة الشّخصيّات الرّئيسة تغييرات جذريّة خبرها كلّ من: (رضوان، نضال، موروي، جميلة) حيث اختصرت هذه الشّخصيّات، في مسيرتها، أزمات المجتمع الكردي. وكانت، في خطابها وتصرّفاتها، نموذجًا يقارب الواقع وما يعتريه من وجع وجروحات ونقص ومفاسد حاول الكاتب تعريتها وتقديمها، كما هي، بكلّ ما تختزنه من ضعف، وإصرار على تحويل هذا الضّعف إلى شرارة قوّة، ليؤكّد أنّ ثمّة مكامن طاقة في داخل الفرد يستطيع، متى أحسن استغلالها، أن يحوّل مسار حياته، ويؤسّس مصيرًا أفضل.
والتّحوّل الذي رسمه هيثم حسين لم يتوقّف على شخصيّات محدّدة فحسب، إنّما انسحب على المجتمع ككلّ.
أمّا سبْرُ التّغيير الذي طاول بنية المجتمع الكردي في الرّيف أوّلًا، ومن ثمّ في ضواحي دمشق ثانيًا، فيتطلّب دراسة أخرى تسلّط الضّوء على ما حدث من تحوّلات.
***
الهوامش
* دكتورة في الجامعة اللبنانية
[1] ناقد وروائيّ سوري ومؤسس موقع “الرواية نت” المتخصص في الفن والنقد الروائي. يعمل ككاتب مستقل ومتعاون مع عدد من أبرز الصحف والمواقع والمجلات العربية، يكتب في الشأن الثقافي والأدبي العربي والعالمي، وهو متخصص في النقد الروائي إلى جانب القضايا الثقافية الأخرى. له خمس روايات باللغة العربية هي: آرام سليل الأوجاع المكابرة، رهائن الخطيئة، إبرة الرعب، وعشبة ضارة في الفردوس، وكي لا يبقى أحد. وأربعة كتب نقدية في الرواية: الرواية بين التلغيم والتلغيز، الروائيّ يقرع طبول الحرب، الرواية والحياة، الشخصية الروائية مسبار الكشف والانطلاق. وله في الترجمة عن الكردية: مَن يقتل ممو؟! أرجوحة الذئاب وهي مجموعة مسرحيات للكاتب الكردي بشير ملا.
[2] منشورات ضفاف، بيروت، ط.1، 2013.
[3] دار ميّارة للنشر والتوزيع، القيروان، ط.1، 2017.
[iv] FREUD,Sigmund, Cinq lecons de psychanalyse, Trad. par YVES de Lay, Paris, edition PAYOT, n.84, 1965, P.10
[v] البازعي، سعد، والرويلي، ميجان، دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط.2، 2000، ص.ص. 225، 226
2. المختاري، زين الدين، المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1998، ص19.
[vii] FREUD, Sigmund, Introduction a la psychanalyse, Trad. par Serge Jankelevitch, Paris, edition Payot, n. 16, 2002, p.77
[viii] فضل، صلاح، مناهج النقد المعاصر، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط 1،1997، ص.ص. 64، 65
[ix] غريي، ألان روب، نحو رواية جديدة، ترجمة مصطفى إبراهيم مصطفى، دار المعارف، القاهرة، لا ط.، لا.ت، ص.35
[x] بحراوي، حسن، بنية الشّكل الروائي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط.2، 2009، ص. 302.
[xi] بحراوي، بنية الشّكل الروائي، م.س.، ص. 311
[xii] المختاري، المدخل إلى نظرية النقد الأدبي سيكولوجية الصورة الشعرية، م.س.، ص. ص. 20-21- 23.
[xiii] إبرة الرعب، م.س.، ص. 46.
[xiv] إبرة الرعب، ص. ص. 52- 53.
[xv] إبرة الرعب، ص. 46.
[xvi] بحراوي، بنية الشّكل الروائي، م.س.، ص. 313
[xvii] إبرة الرعب، ص. 161.
[xviii] إبرة الرعب، ص. 162.
[xix] أبو الرضا، سعد، النقد الأدبي الحديث أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة، رؤية إسلامية، ط.2، 2005، ص. 82
[xx] إبرة الرّعب، ص. 5
[xxi] م. ن.، ص. 72
[xxii] م.ن.، ص. 75
[xxiii] إبرة الرعب، ص. 98
[xxiv] أبو هندي، وائل، الوسواس القهري، عالم المعرفة، ع 293، يونيو، الكويت 2003، ص. 79.
[xxv] إبرة الرّعب، ص. 99
[xxvi] فرويد، سيجموند، تفسير الأحلام ترجمة وتلخيص الدكتور نظمي لوقا، كتاب الهلال، سلسلة شهرية، دار الهلال، القاهرة 1962.ص.ص. 156،190
[xxvii] بحراوي، بنية الشّكل الروائي، م.س.، ص. 318
[xxviii] فاليت، برنار، الرواية مدخل إلى مناهج التّحليل الأدبي وتقنياته، ترجمة سعيد الجرّاح، المنظّمة العربيّة للترجمة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت 2013، ص. 67
[xxix] إبرة الرعب، ص. 165.
[xxx] م. ن.، ص. 169.
[xxxi] م. ن.، ص. 171.
[xxxii] م. ن.، ص.9.
[xxxiii] إبرة الرعب، ص. 187.
[xxxiv] م. ن.، ص. 188.
[xxxv] عياشي، منذر، قراءة على هوامش السرد، دار نينوى، دمشق 2017، ص. 99
[xxxvi] ماجدولين، شرف الدين، الصورة السّرديّة في الرّواية والقصّة والسّينما، الدار العربيّة للعلوم ناشرون، بيروت 2010، ص.21
[xxxvii] إبراهيم، عبدالله، المتخيّل السّردي، المركز الثّقافي العربي، بيروت 1990، ص.128
[xxxviii] عشبة ضارة في الفردوس، م.س.، ص. 110
[xxxix] بحراوي، بنية الشّكل الروائي، م.س.، ص. 236
[xl] بحراوي، بنية الشّكل الروائي، م.س.، ص.240
[xli] عشبة ضارة في الفردوس، ص. 113
[xlii] عشبة ضارة في الفردوس، ص. 116
[xliii] بحراوي، بنية الشّكل الروائي، م.س.، ص. 236
[xliv] عياشي، قراءة على هوامش السّرد، م.س.، ص.109
[xlv] الماضي، شكري عزيز، أنماط الرواية العربية الجديدة، عالم المعرفة، ع 355، سبتمبر، الكويت 2008، ص.113
[xlvi] عشبة ضارة في الفردوس، ص. 200
[xlvii] عشبة ضارّة في الفردوس، ص. 120
[xlviii] سويف، مصطفى، الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة، دار المعارف، القاهرة، ط.4، 1981، ص122
[xlix] عشبة ضارة في الفردوس، ص. 205
[l] عشبة ضارة في الفردوس، ص. 206
[li] لحمداني، حميد، بنية الشكل الروائي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط.3، 2000، ص. 25
[lii] بحراوي، بنية الشّكل الروائي، م.س.، ص. 227
[liii] عشبة ضارة في الفردوس، ص. 75
[liv] عشبة ضارة في الفردوس، ص. 24
[lv] عشبة ضارّة في الفردوس، ص.ص. 125، 113
[lvi] م. ن.، ص. 129
[lvii] عشبة ضارة في الفردوس، ص. 127
[lviii] المودن، حسن، الرواية والتحليل النصي، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2009، ص. 147
[lix] يقطين، سعيد، انفتاح النّصّ الرّوائي، المركز الثّقافي العربي، بيروت، ط.2، 2001، ص.86
[lx] عشبة ضارّة في الفروس، ص. 13
[lxi] بحراوي، بنية الشّكل الروائي، م.س.، ص. 241
[lxii] عشبة ضارّة في الفردوس، ص. 133
[lxiii] بحراوي، بنية الشكل الروائي، م.س.، ص.242
[lxiv] عشبة ضارة في الفردوس، ص. 165
[lxv] م. ن.، ص. 163
[lxvi] م. ن.، ص. 166
[lxvii] ماجدولين، الصورة السردية…، م.س.، ص. 39
[lxviii] إبرة الرعب، ص. 189
***
- ثبت المصادر والمراجع
- المصادر
- حسين، هيثم، إبرة الرعب، منشورات ضفاف، بيروت، ط.1، 2013.
- حسين، هيثم، عشبة ضارّة في الفردوس، ميّارة للنشر والتوزيع، القيروان، ط.1، 2017.
- المراجع
- العربيّة
3- إبراهيم، عبدالله، المتخيّل السّردي، المركز الثّقافي العربي، بيروت، ط.1، 1990
- أبو الرضا، سعد، النقد الأدبي الحديث أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة، رؤية إسلاميّة، ط.2، 2005
- أبو هندي، وائل، الوسواس القهري، عالم المعرفة، العدد 293، يونيو، الكويت، 2003
- البازعي، سعد، والرويلي، ميجان، دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط.2، 2000.
- بحراوي، حسن، بنية الشّكل الروائي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط.2، 2009.
- عياشي، منذر، قراءة على هوامش السرد، دار نينوى، دمشق، ط.1، 2017.
- سويف، مصطفى، الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة، دار المعارف، القاهرة، ط.4، 1981.
- فضل، صلاح، مناهج النقد المعاصر، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 1997
- لحمداني، حميد، بنية الشكل الروائي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط.3، 2000
- ماجدولين، شرف الدين، الصورة السّرديّة في الرّواية والقصّة والسّينما، الدار العربيّة للعلوم ناشرون، بيروت، ط.1، 2010
- المختاري، زين الدين، المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1998
- الماضي، شكري عزيز، أنماط الرواية العربية الجديدة، عالم المعرفة، الكويت، العدد 355، سبتمبر، 2008
- المودن، حسن، الرواية والتحليل النصي، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط.1، 2009
- يقطين، سعيد، انفتاح النّصّ الرّوائي، المركز الثّقافي العربي، بيروت، ط.2، 2001
- المراجع المعرّبة
- غريي، ألان روب، نحو رواية جديدة، ترجمة مصطفى ابراهيم مصطفى، دار المعارف، القاهرة، لا ط.، لا.ت.
- فرويد، سيجموند، تفسير الأحلام ترجمة وتلخيص الدكتور نظمي لوقا، كتاب الهلال سلسلة شهرية، دار الهلال، القاهرة، 1962
- فاليت، برنار، الرواية مدخل إلى مناهج التّحليل الأدبي وتقنياته، ترجمة سعيد الجرّاح، المنظّمة العربيّة للترجمة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، ط.1، ديسمبر، 2013
- المراجع الأجنبية
19- FREUD, Sigmund, Cinq lecons de psychanalyse, Trad. par YVES de Lay, Paris, edition PAYOT, n.84, 1965
20- FREUD, Sigmund, Introduction a la psychanalyse,Trad. Par Serge Jankelevitch, Paris, Petite bibliotheque Payot, n.16, 2002