الرواية والحياة.. خوض في قضايا التهميش والعنف
خلود الفلاح
يقف الناقد والروائي هيثم حسين في كتابه” الرواية والحياة” الصادر ضمن منشورات كتاب الرافد_مارس_2013 ، موقف المدافع عن الرواية اتجاه من ينادون بلا جدوى الرواية واعتبارها متعة يمكن تأجيلها أو حتى إلغاؤها، أو هي ترف حياتي لا حاجة إليه.
يحاول هيثم حسين في هذا الكتاب الخوض في قضايا مفصلية، ومواضيع مصيرية، خاضت فيها الرواية، مستعرضاً مقاربات شكليَة ومضمونية للفن الروائي. ويضم الكتاب عدد من الدراسات هي: الرواية والتاريخ، نبش في شغف الروائيين بالتاريخ واستيحائهم منه، ورؤيتهم له، الرواية والسيرة الذاتية، كشف عن تلصص أدبي تخلل كثيراً من الأعمال التي متحت من الحفر في الذاكرة، الرواية والمغامرة، خوض في قضايا التهميش والعنف والمستقبل، الرواية والرقص، استعراض مشاهد من واقع الرواية والحياة، الرواية والتخييل، التخييل باعتباره أحد أسرار الفن الروائي، الرواية والجوع، تحليل للكيفية التي عالج بها بعض الروائيين قضية الجوع في أعمالهم.
لماذا الرواية والحياة؟
يجيب هيثم حسين على هذا السؤال بالقول: أليست الرواية حياة أدبية، أليست تصويراً لحيوات كثيرة، أليست معترك حياة الشخصيات، ومسرح الوقائع والمجريات. لا شك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وقد تكون الرواية هي الكلمة الصادقة الأكثر تعبيرا عن الحياة، عبر استعراضها وتقديمها حيوات عديدة. ويضيف: هل الحياة إلا رواية لم تكتب فصولها بعد؟ هل الرواية إلا حياة متجددة الفصول.
الرواية تاريخ
تناول كثير من الروائيين التاريخ في أعمالهم أو كان التأريخ خلفية زمنية ومكانية لإعمالهم منهم الكندي ميشيل ترامبليه والأفغاني خالد حسيني والمصري يوسف زيدان واللبناني ربيع جابر والسورية لينا هويان الحسن وهنا يتسأل هيثم حسين: إن صح أن الروائي هو مؤرخ العصر بامتياز. فهل يطلب منه أن يتحلى بمصداقية المؤرخ وموضوعيته، أم أن الرواية تفسح له المجال للتلاعب بالتفاصيل والمصائر والجزئيات؟
من المعروف أن النصوص الإبداعية المعتمة بالتاريخ قد تكون محل سجال وتشكيك ومقاضاة ورغم ذلك يطرح الكاتب سؤاله: هل يعاود الروائي الرجوع إلى التاريخ هروباً من واقع مأزوم أم بحثاً عن بؤر تختزن الغريب واللامألوف.
حفريات في الذاكرة
يقول هيثم حسين لا يخفى أن العلاقة بين الرواية والسيرة الذاتية ظلت مثار جدل بين كثير من الكتِاب، بين مؤمن بوجود تعالق بينهما إلى مفترض فك الارتباط بينهما، إلى موفق في العلاقة التكاملية. لكن الثابت أن الروائي متواجد في شخصياته كلها، يعيشها وهو يخترعها ويكتبها، يستعين بسيرته الذاتية وثقافته ومكتسباته الحياتية في تفكيرها وتحريكها، بحيث يكون له وجود متوارٍ مذوب في عوالم شخصياته دون الجهر بذلك.
كتب كتِاب كثر سيرهم كسليم بركات في كتابيه “الجندب الحديدي” و”سيرة الصبا”، وكتب الشاعر محمود درويش بعضا من سيرته في كتابه” ذاكرة للنسيان”، و” الخبز الحافي” لمحمد شكري.
وعن السيرة في عهد الرواية يقول حسين: يكشف القارئ كماً كبيراً ممن لجأ إلى تضمين سيرته بين دفتي رواية، مستمتعاً بما توفره له الرواية من حرية وانطلاق، وتخفف من أية مسؤولية واقعية أو تبعة محتملة، ملقياً بالسيرة إلى عهدة الرواية، متوارياً خلف عالم الرواية الرحب، ويضيف: الرواية لا تزال موكلة السيرة الناطقة باسمها.
الرواية مغامرة
تبدأ هذه الدراسة بعدد من التساؤلات: ما الرابط بين الرواية والمغامرة؟ هل يمكننا القول إن كل رواية هي مغامرة بمعنى ما؟ والإجابة تقول: الرواية مغامرة دائمة، لا بمعنى الخوض في مهالك الأمور بل بمعنى مبادرتها الخلاقة المنطلقة من الافتتان، المغامرة تشتمل على الاندفاع والمجازفة والتهور والوعي والبطولة، هي وقود الرواية، والرواية صوتها وصداها.
الرواية والرقص
في هذه الدراسة ينظر الناقد هيثم حسين للرقص كمفتاح من مفاتيح المتعة الروائية، سر من أسرار الفن الروائي، شكل ومضمون، مغرٍ مستفز، ينير الدواخل باشتغاله على الحركة، وبقدر ما يشكل الرقص مبعث بهجة ومتعة وغواية وإلهام، فإنه قد يشكل شرارة للرواية.
الروائي نيكوس كازنتزاكيس في روايته”زوربا” كان الرقص محوراً من محاور الحياة لدى شخصياته. ونذكر أيضا الروائي ميلان كونديرا في روايته” رقصة الوداع”، والروائي معجب الزهراني في روايته” رقص”.
ويتطرق الكاتب في هذه الدراسة إلى حضور الرقص في الفن السابع ويقدم نموذج فيلم” ما تريده لولا” و فيلم” البجعة السوداء”.
يمثل الرقص كما يقول حسين حالة لا متناهية من الانسجام بين المرء وعالمه، يكفل الرقص بخلق عوالم التناغم مع روحه المتوثبة المسكونة بالرقص، ولربما يكون الرقص نوعا من أنواع العبادة، أو فسحة للتوحد مع الطبيعة بحيث يعود الإنسان إلى جذوره.
التخييل الروائي
تبدأ هذه الدراسة بطرح عديد الأسئلة حول الخيال منها: هل يصح أن نجعل من الخيال عنصراً قابلاً للتحصل عليه بطريقة ما؟ هل يقصد بالخيال ما يتشبه لك في اليقظة والحلم من صور وأطياف؟ هل حقا هناك محاربة للخيال بوصفه مضللا ومُوهماً أم أن هناك توجساً دفيناً منه؟ إلى أي حد يمكن الوثوق بالخيال والبناء عليه؟ هل الخيال إشكالية أم أنه محمل علل الكتَاب في مسعى للتملص منها وعزوها إلى عنصر مغيب؟
ويوضح حسين في كتابه ” الرواية والحياة” ان الخيال متسرب في أغلبية الروايات حتى في تلك الموسومة بالشديدة الواقعية، والتخييل المصاحب يمنح الوقائع والشخصيات أبعادا مختلفة. يكون التخييل في معظم الحالات فرحاً وحزناً وتصويراً توصيفا، لذلك التخييل في الرواية مواز للوصف، ينهض بوظائف كبرى.
لازمة الجوع
تطرق العديد من الروائيين لموضوعة الجوع انطلاقا من الرواية لا تنأي بنفسها عن الخوض في أي من الموضوعات التي تشكل ظاهرة في المجتمع، ويستعرض حسين في هذه الدراسة كيف ناقش الحائزون على جائزة نوبل للرواية الجوع في أعمالهم فهذا النرويجي كنوت هامسون وروايته” الجوع”، والفرنسي جان ماري لوكلوزيو صاحب رواية” لازمة الجوع”، والألمانية هيرتا موللر صاحبة رواية” أرجوحة النفس”،أما عربيا فيطرح حسين رواية ” جوع” للروائي المصري محمد البساطي. ويوضح الكاتب أن مناقشة الرواية لقضية”الجوع” يسهم في تبديده والتخفيف منه.
هيثم حسين ناقد وروائي سوري صدر له: آرام _ سليل الأوجاع المكابرة_ رهائن الخطيئة _ الرواية بين التلغيم والتلغيز_ إبرة الرعب.
وعن الرواية والبحث في عوالمها قال هيثم حسين”إن الرواية بالنسبة لي هي الميدان الأرحب وميدان الحرية إن جاز التوصيف لأنها تمنحني حرية مطلقة للتجول بين العوالم اللامتناهية، وأضاف حسين: أبحث في الرواية دوما عن كنز مفقود وأجهد لإيجاد شيفرات لفك الألغاز في العالم من حولي وأجد المجال الكافي كي أستعرض وأنتقد وأبحر في عالمي الروائي بحرية ومن هنا تمنحني الرواية متسعاً من الحرية يصعب الحصول على مثيلها في مواضيع أدبية أخرى فقد تكون محكوما في المقالة بأمزجة معينة من الناشرين وتراعي أمورا بعينها، أما في الرواية فإنك لا تكون مضطرا لمراعاة أو محاباة أحد فقط تكون محكوماً بسلطة الرواية وسلطة الحرية الروائية المسئولة.