هيثم حسين: وجدت في الأدب ملاذي المؤقت وبعض الأمان من جنون الحرب
رووداو – اربيل
هيثم حسين، ناقد وروائي كوردي سوري مقيم في بريطانيا. ولد في مدينة عامودا عام 1978م. له عدة أعمال روائية ونقدية. استقر به المقام في بريطانيا بعد رحلة تشرد إثر تعرض منزله للقصف في دمشق. يكتب باللغة العربية، لكن عالمه الروائي يضج بالحياة والأجواء الكوردية، وهو يعمل على نقل آمال وهواجس شعبه إلى الآخر العربي بلغته هو. وهذا نص حوار (رووداو) مع هيثم حسين.
- رووداو: متى خرجت من سوريا؟
هيثم حسين: خرجت من سوريا في بداية الشهر العاشر من عام 2012، وذلك بعد أن فقدت بيتي في قصف للنظام السوري في ريف دمشق. تنقلت بعدها بين عدد من العواصم، دبي، بيروت، القاهرة، إسطنبول، وصولا إلى بريطانيا. أي قضيت سنوات من التشرد بعيداً عن الوطن.
- رووداو: لماذا لم تكتب باللغة الكوردية؟
هيثم حسين: بصراحة أي تبرير أو جواب لهذا السؤال لن يكون مقنعاً..! ببساطة، لم أكتب باللغة الكوردية لأن كل دراستي وقراءاتي كانت بالعربية، وقد تخصصت في اللغة العربية وقمت بتدريسها لسنوات. وربما ظروف العمل والدراسة والصحافة هي التي ساهمت بشكل أكبر في ذلك. أقرأ بالكوردية، لكن أجد تمكني في الكتابة بالعربية أكبر. وكتابتي بالعربية هي نقل وترجمة لهواجسي وآمالي وقضيتنا كشعب كردي. أتمنى أن أكتب بالكوردية في المستقبل القريب وسأحاول ذلك.
- رووداو: ولدت في عامودا، ما هي عامودا بالنسبة لك؟
هيثم حسين: لا شكّ أنّ كل امرئ يرى مدينته الأجمل. وعامودا بالنسبة لي هي العشّ والحضن وملاذ الذاكرة ودفء الغربة. أجدها متجددة كل مرة.
- رووداو: تشتغل في مجال الترجمة ايضا؟ ما هي ترجماتك حتى الآن وهل لديك مشاريع للترجمة مستقبلا، و هل تم ترجمة كتبك الى لغات أخرى، ولاسيما الكوردية؟
هيثم حسين: لا أحترف الترجمة، لكن ترجمت قبل سنوات كتاباً هو عبارة عن مجموعة مسرحيات من الكوردية إلى العربية بعنوان “من يقتل ممو..؟” لبشير ملا من عامودا. وكان ذلك بمثابة تحد وإثبات على أنّ الأدب المسرحي الكوردي موجود، وليس كما كان يروّج العروبويون أنه ليس هناك أدب أو مسرح كرديّ.
بالنسبة لترجمة كتبي، انتهت قبل أيام ترجمة رواية “رهائن الخطيئة” إلى الكوردية وقد ترجمها الأستاذ خالد جميل محمد، وستصدر هذا العام، كما انتهت الترجمة التشيكية أيضاً لهذه الرواية. وهناك فكرة لترجمتها إلى الإنكليزية في المستقبل القريب.
- رووداو: الكثير من كتاب كرد سوريا يكتبون بالعربية، هل التقيت بكاتب عربي سوري يكتب بالكوردية أو يهتم بتعلم اللغة الكوردية مثلا؟
هيثم حسين: بصراحة لم ألتقِ بأحد غير كردي يحاول الكتابة بالكوردية، قد يكون هناك من يحاول تعلمها، لكن لم ألتقه بعد. ربما هذا يحتاج إلى مساءلة للذات من قبل السوريين كإخوة وشركاء في الوطن.
- رووداو: في روايتك “ابرة الرعب”، ثمة مشاهد ايروتيكية عديدة، كيف تنظر لدور الايروتيكا في الخطاب الروائي؟
هيثم حسين: حاولت أن تكون الإيروتيكا في “إبرة الرعب” موظفة، وألا تكون مقحمة أو للاستعراض والترويج، فالجنس يلعب دوراً هاماً في الحياة، وحضوره طبيعي في الرواية، طالما يخدم الفكرة والنص، والمشاهد تأتي في سياقات مختلفة تلقي الأضواء على عدد من الأمكنة، وعلى دواخل الشخصيات، وتكشف الازدواجية بين الخطاب المعلَن والمضمر.
- رووداو: أيضا في ذات الرواية، ثمة وجود لفكرة الانتقام، مما ينتقم بطلك رضوان؟
هيثم حسين: يحاول بطل الرواية الانتقام من تاريخه، من واقعه، من الظلم الذي لحق به وبأهله، من أهل قريته، ممن يشعر بأنهم ازدروا أباه وأمه وتسببوا بعاهة أخيه، يسعى إلى تعرية الجميع في رغبة منه لرد الاعتبار لنفسه وأسرته، وبعد أن تتسع دائرة الانتقام، وينتقل من مكان إلى آخر، يكتشف بؤس الانتقام كفعل وفكرة، ويدرك أنّ الجميع كانوا ضحايا في الوقت نفسه، وأن هناك قوى كبرى تبقيهم أسرى تلك الحالة كي يتم تفتيت المجتمع، وإبقاءه متخلفاً جاهلاً باحثاً بين الأنقاض والخراب عن ذاته المهدورة.
- رووداو: في رهائن الخطيئة، تتناول موضوع رسم الحدود بين جزئين من كردستان، كيف تنظر الى الامر؟
هيثم حسين: تلك الحدود أثرت في تكويننا وبلورة وعينا كثيراً، فكنا دائماً نسأل عما وراءها ولماذا تمنعنا من إخوتنا وأقاربنا هناك. فنحن أبناء المناطق الحدودية، كبرنا على التشظي والانقسام بين “serxet” و”binxet”، كلنا أقارب هناك، ولآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا إخوة وأقارب على الجهة الأخرى، ولهم ذكريات ورثناها عنهم. تلك الحدود ظلت خنجراً في الأرواح تجدد الألم. وقد كنا شاهدين على كثير من حالات القتل لمن كان يقترب من الحدود، أو يحاول تخطيها، وكذلك تلك الألغام المزروعة ظلت تمارس تأثيرها وفعلها في نفوسنا. كان هناك ما يجذبنا ويرهبنا في الوقت نفسه. حاولت في روايتي التقاط بعض تأثيرات هذا التشظي بين جهتي الحدود، والآثار العميقة التي خلفتها.
- رووداو: لديك كتاب عن الحرب، ما مضمونه، و كيف تنظر الى الحرب السورية؟
هيثم حسين: كتابي عن الحرب هو “الروائي يقرع طبول الحرب” وهو كتاب نقدي أتناول فيه أدب الحرب، وأدرس بعض تجارب الأدباء العالميين الذين كتبوا عن الحرب ممن كانوا قد عايشوها. وكيف أنّ الروائيين لعنوا الحرب وسعوا إلى إيقافها بوسائلهم الروائية. خطرت لي فكرته حين كنت في دمشق، وكانت الاشتباكات تقع بين النظام والمعارضة بجوارنا كل ليلة، وكان الخوف يسكن الأجواء الحربية ورائحة البارود تعمّ وتخنق، كان الموت يحاصرنا ونرى الجثث مرمية في الشوارع أحياناً. مشاهد مؤلمة لم أستطع تجاهلها ونسيانها، فلجأت إلى الأدب ووجدت فيه ملاذي المؤقت وبعض الأمان من جنون الحرب. وبالنسبة للحرب السورية، خشيتي أنّ الحرب ستطول كثيراً، وستمارس مزيداً من الفتك بالناس والمدن.
تعريف بالروائي:
ناقد وروائي سوري مقيم في بريطانيا. تولد الحسكة/ عامودا 1978م. له عدة أعمال روائية ونقدية منها: ‘آرام سليل الأوجاع المكابرة، ط1: دار الينابيع، السويد 2006، ط2: دار النهرين، دمشق 2010. ‘رهائن الخطيئة’ ط1: دار التكوين، بيروت – دمشق 2009 “إبرة الرعب” منشورات ضفاف – بيروت، الاختلاف – الجزائر 2013.
وفي النقد الروائي: “الرواية بين التلغيم والتلغيز”، ط1: دار نون، سوريا 2011. ‘”الرواية والحياة” صدر ككتاب مرفق مع مجلة الرافد الإماراتية عدد مارس 2013م. “الشخصية الروائية” دار نون، الإمارات 2015.
الترجمة: ‘من يقتل ممو..؟’ مجموعة مسرحيات مترجمة عن الكوردية. دار أماردا، بيروت 2007.
له تحت الطبع: ‘الروائيّ يقرع طبول الحرب’. ‘الشخصية الروائية .