هيثم حسين لـ«الرأي»: الحرية في الأدب فضاء «مطلق» … والأدب دونه «مستنقع»
حوار / الكاتب السوري أكد أن الألم والقهر في أعماله «انعكاس لواقع سوداوي»
«أنا من مواليد مدينة عامودا في أقصى الشمال الشرقي لسورية، أكتب الرواية، كما أكتب في النقد الأدبي، أحاول أن أبحث لنفسي عن حيز في خارطة الإبداع».
كل أديب مسؤول في حريته … لأنه يصنع عوالمه
هكذا عرّف الروائي السوري هيثم حسين نفسه، قائلا: «البيئة حاضرة بقوة في أعمالي، فالبيئة الكردية تضج بالأساطير والملاحم، وأنا كسوري كردي، أجد أن رسالتي تكمن في تصوير معاناة أهلي».
وعن الحرية أكد حسين، أن كل أديب مسؤول في حريته، لأنه يخلق عوالمه، لذا فإن الأدب دون حرية مستنقع موبوء».
وقال: «رحلة الأدب محفوفة دوما بالمزالق، لأنها رحلة حياة، ولابدّ من الاستعداد الدائم والتهيئة لخوضها بكامل العدّة والعتاد، وإلا فإنها ستكون فقيرة غير ممتعة».
«الراي» التقت صاحب «إبرة الرعب» في القاهرة، وكان لها معه هذا الحوار:
- بعض النقاد رأى أن روايتك «رهائن الخطيئة» وقعت في فخ المحاكاة التاريخية؟
– «رهائن الخطيئة» تنطلق من منعطف مفصلي في تاريخ سورية الحديثة، يوم انهيار الوحدة بين سورية ومصر، ولا تقع في فخّ المحاكمة التاريخية، بل يشكل التاريخ خلفيتها وأرضيتها، وتنشط الرواية في استعراض بعض التداعيات والآثار التي تخلفها الوقائع والحوادث التاريخية على أناس بسطاء مهمشين، يعيشون على ضفاف اللا حياة، يغرقون في معاناتهم السحيقة، ويدفعون ضرائب أفعال وجرائم غيرهم.
والبيئة حاضرة في الرواية بقوة، الشمال الشرقي من سورية، شمالنا الذي يعاني التشظى، إذ ان مركز الأحداث يكون طرفيّ الحدود بين سورية وتركيا، وتنتقل الشخصيات بين هذه الحدود، وتقع ضحيتها. وقد حاولت تقديم جوانب لم يقربها الأدب العربي، وظلت بمنأى عن اهتمام الروائي العربي، ذلك أن البيئة الكردية تضج بالأساطير والملاحم، وأنا كسوري كردي، أجد أن رسالتي تكمن في تصوير معاناة أهلي، وإلا ما قيمة الأدب والرواية إن لم تدافع عن الإنسان المظلوم المهمش المنفي في وطنه. وهناك عدة جوانب في الرواية يصعب اختصارها والحديث عنها، أسهب عدد من النقاد في تحليلها ومقاربتها.
- كيف ترى رحلتك مع الأدب من خلال أعمالك المختلفة مثل «آرام سليل الأوجاع المكابرة»و«إبرة الرعب» وغيرهما؟
– الرحلة مع الأدب رحلة مع الحياة، فدومًا نشعر أنفسنا أننا تلاميذ مبتدئين مع هذه الحياة، نكتشف كل يوم جديدا يضاف إلى مخزوننا وذاكرتنا، ومع كل عمل أشعر أني خطوت خطوة في رحلة الحياة الأدبية، ولا أنفكّ أحاول الاستمتاع برحلتي، وإمتاع القراء، وإن كان الألم حاضرا، والقهر باديا في أعمالي، فإنّا ذلك انعكاس لواقع سوداوي ظل جاثما على صدورنا عقودا، وكان الظلم الذي يقع على عاتق الكردي مركّبا، فهو من جهة شريك المواطنين جميعا في التعرض للظلم، ومن جهة أخرى ظلّ محروما من أبسط حقوقه، التكلّم بلغته أو حتى الغناء بها.
رحلة الأدب محفوفة دوما بالمزالق لأنها رحلة حياة، ولابد من الاستعداد الدائم والتهيئة لخوضها بكامل العدة والعتاد، وإلّا فإنها ستكون فقيرة غير ممتعة.
- تتفاوت آراء ومواقف الكتاب والأدباء حول الثورة السورية، كيف ترى هذا التفاوت؟
– لا أتصور أديبا حقيقيا يقف مع القتل والإجرام والتدمير ويناصر القاتل، هناك مَن تمترس خلف مزاعم واهية وغير مقنعة، يخفي بها عورته الواقعية وانكشاف أوراقه وذهنيته الرجعية. والتفاوت نتاج تراكم عقود من الطغيان والاستبداد وتوزيع المناصب والامتيازات وشراء الذمم والولاءات بمختلف السبل، وخلق شريحة من الكتّاب الكتَبَة المرتهنين لأوامر السلطة ورغباتها المرَضيّة في الاستحواذ على الحياة العامة وتصدير واجهات مرائية.
وخذلان أمثال هؤلاء لرسالة الأدب قبل القراء نتيجة طبيعية لبداية مشوهة.
- هناك من يرى أن بعض أعمالك أقرب للقصص القصيرة رغم أنها صدرت كرواية، هل يرجع ذلك إلى رواج مقولات مثل أننا نعيش زمن الرواية؟
– يبقى لكل جنس أدبي خصوصيته، فمع تعقّد ظروف الحياة المعاصرة، ومع تشعّب القضايا والفجائع، يكاد الشعر ينحسر إلى الخلفية، لتتقدّم الرواية إلى الصدارة، باعتبارها من الأدوات التعبيرية التنويرية القادرة على تصوير الوقائع والمشاهد المتشابكة المتداخلة، كما أن طبيعة الرواية المرنة تمنحها تفوّقا في هذه المرحلة. ولا يمكن أن يزيح أيّ جنس أدبي جنسا آخر، أو يحل محله.
لأن التنوع أساس الأدب والفن، وقد يكون، وسمي الزمن بأنه زمن الرواية من باب الاعتراف بقدرتها على التنوير والتهيئة للتغيير. وذلك كله، لا ولن يعني بأي شكل من الأشكال الزعم بحلول الرواية محل غيرها من الفنون، فالرواية تكمل اللوحة الفنية الرائعة.
وهي كمشهد إنساني جمالي، لا تستقيم وتتعظم، إلاّ بالاشتراك مع الأجناس الفنية التي تعكس الغنى والتنوع في النفس البشرية.
- العمل الذي لا يحتوي على ذاكرة يموت سريعا، فــإلى أي مــدى تحرص على وجود الذاكرة في كتاباتك؟
– الذاكرة سلاح الكاتب، وهي تشكل بالنسبة لي خزان الملاحم. عشت في بيئة كانت الذاكرة وسيلتها للتحدي والوجود، استُلبت منها كل أساليب الحياة، فكانت الذاكرة ملاذا وسلاحا، ومن هنا فإن الذاكرة ملاذ آمن، ننهل منها ما يمهّد الطريق للمستقبل، وقد كتبت في خاتمة روايتي «رهائن الخطيئة»: «الذاكرة هي اللوح المحفوظ، الذي ينشد به الإنسان إلى الجذور، ولا يَنْشدِهُ معه أمام استعراضيات جوفاء، الذاكرة هي أكثر ما يحتاجه المرء في أرضه التي يسكنها، وفي أي أرضٍ أخرى يمكن له أن يسكنها… الذاكرة سلاح… الذاكرة رباط مقدس… الذاكرة ميثاق الشرف مع التاريخ.. إنها رهان المرء على نفسه وتاريخه ومستقبله».
- ما نقاط التقاطع بين المشهد الثقافي السوري والمصري؟
– الثقافة المصرية رائدة، ولها تأثير على جميع المثقفين في البلاد العربية، وقد كان للمفكرين التنويريين المصريين بالغ الأثر في التأسيس لنهضة أدبية، وانعكس ذلك في النتاجات اللاحقة، ولاتزال مصر ذات دور فعّال في الميدان الثقافي، لكن مع ملاحظة انعدام المركزيات في العالم المعاصر، لأن وسائل الاتصال الحديثة خلقت توازنات جديدة، وغيّرت الخرائط الثقافية.
أمّا عن التقاطع بين المشهدين السوري والمصري، فهناك الكثير من التقاطع في الهموم والرؤى والتصورات، مع خصوصية كل مشهد ونقاط اختلافه الطبيعية بحكم المكان الذي يوجب التمايز. يحضر التكامل في رسم المشهد الثقافي بين الجانبين.
- هل تضع سقفا للحرية أمامك أثناء الكتابة؟
– حين أكتب لا أفكر بوضع سقف لنفسي، الحرية في الأدب فضاء مطلق. وبطبيعة الحال فإن كل أديب يكون مسؤولا في حريته، لأنه يخلق عوالمه، لذا فإن الأدب دون حرية مستنقع موبوء وسجن مقرف.
المصدر : صحيفة الراي