يشير هيثم حسين في سيرته كيف أصبح أيّ لقاء عائليّ مفترض حلماً عصيّاً على التحقّق، وذلك في وقت تشتّت فيه أسرته التي تتكون من تسعة إخوة وأخوات وأمّه وأبيه، بين عدّة دول في الشرق والغرب.
وثّق هيثم حسين في سيرته الروائيّة مفارقات من رحلته للبحث عن ملاذ آمن له ولأسرته. يناجي الروائيّة الإنجليزيّة أغاثا كريستي التي كتبت فصولاً من يوميّاتها “تعال قل لي كيف تعيش” حين عاشت في الثلاثينيّات من القرن العشرين مع زوجها؛ عالم الآثار ماكس مالوان، في مدينته نفسها.. يقول لها: “أغاثا كريستي.. تعالي أقل لك كيف أعيش”.
وبهذه المناسبة قال الناشر العُمانيّ ناصر البدري، مؤسس ومدير دار عرب في لندن، إنّه إلى جانب المقاربة التي أتى بها الكاتب هيثم حسين في كتابه «قد لا يبقى أحد» والتي استحضر فيها شخصية الروائية أغاثا كريستي وعلاقتها بالمكان، وما قامت به من زيارة لبلدة الكاتب قبل حوالي تسعين سنة، وكيف ساقته الأقدار ليعيش في بلدها ويستحضر السؤال المطروح: كيف تعيش، فإنّ ما يميز هذه السيرة الروائية لهيثم حسين أنها كانت، بشكل ما، فيها شيء من العدالة والإنصاف للأمكنة والتجارب، لم تكن الأشياء سيّئة جداً، ولم تكن جميلة جداً، كانت الأشياء كما هي، وكأنما هناك حياة داخل الحياة-الكتاب.
وأضاف ناصر البدري في تصريح خاص إنّه بالإضافة إلى استحضار التفاصيل الصغيرة للعائلة، وأيضاً التفاصيل الكبرى للمكان وتأثيرات الانتقال والترحّل، والتي تضيء بشكل كبير وموسّع تجربة الاغتراب من ناحية، واللجوء من ناحية أخرى، والهوية من ناحية ثالثة، فإنّ «قد لا يبقى أحد» تجربة ثرية على المستوى الإنسانيّ، وعلى المستوى المكاني، وعلى مستوى التجربة التي تجعل القارئ يحاكم ويسائل النظام العالمي الحديث، وتفاصيله، ويطرح الكثير من الأسئلة ويضع كثيراً من علامات الاستفهام، بشكل غير مباشر، قد لا تكون موجودة في ثنايا الكتاب، ولكن أي قارئ يمكن أن يستنبط علامات الاستفهام هذه ويستطيع أن يجد نفسه، أو يشعر بنفسه، أو يسأل نفسه ماذا لو كنت مكان هيثم حسين، ماذا لو كانت أسرتي مكان هذه الأسرة، ماذا كنت سأفعل، هل ما حدث أو سيحدث لي هو أمر طبيعي…!
وأكّد مؤسّس دار عرب أنّ «قد لا يبقى أحد» يحمل اتّزاناً كبيراً في طرح الفكرة، وقال إنّه ليس كتاباً مليئاً بالغضب، وليس كتاباً مليئاً بالعاطفة، هو ليس كتاباً مليئاً أيضاً بالفرح والانتشاء بالخروج من مكانه إلى مكان آخر، هو كتاب متّزن في طرحه كلّه، تبكيك تفاصيله دون أن يكون الكاتب قد أراد ذلك،
وتفرحك في بعض المواقف دون أن يكون الكاتب أيضاً قد أراد لك ذلك.
وختم البدري تعليقه بالقول: ثمّة أسئلة كثيرة قد لا تجد إجابات، ولكنها جديرة حتماً بالاطلاع والنقاش ومحاولة سبر هذه التجربة من مختلف التفاصيل والجهات، لذلك فإنّنا نعتقد في دار عرب أنّ هذه التجربة تجربة جديرة بأن يتمّ تسليط الضوء عليها، وأن تترجم، وأن تُقرأ أكثر وأن تُفهم أكثر، وأن تُساءَل أكثر على المستويات المختلفة، الأدبي منها والإنساني.