رحيل توني موريسون جوهرة الرواية السوداء
أدانت صاحبة “جاز” الربط بين العبودية والعرق ونالت نوبل بفعل فرادة أدبها.
برحيل الروائية الأميركية توني موريسون، الحائزة على جائزة نوبل للآداب سنة 1993، تفقد الرواية علما من أعلامها المعاصرين، وهي التي حرصت على الانتصار للقضايا الإنسانية في أعمالها، ولم تهادن في مواقفها تجاه العنصرية، وصدّرت هويّتها كامرأة من أصول أفريقية عانت الظلم والاضطهاد لكنّها لم تلجأ إلى الانتقام، بل سعت إلى فهم الآخر والعمل على تفكيك منظومته القيمية التي تنتقص من المختلفين عنه، من خلال إظهار ثراء التنوّع وجمالياته العابرة للحدود والأعراق.
يتقاطع البحث عن الهوية مع بحث الكاتبة عن الجذور، وتراها تلتقي في مسعاها هذا مع الكثير من الأدباء الآخرين، وبشكل خاص ممّن يعانون نوعا من التهميش والإقصاء في بلدانهم، ويكون بحثهم بمثابة نقطة إثبات على التجذّر في الأرض والاستمرارية بنوع من تأكيد الذات وانتزاع الاعتراف بالأحقّية والكفاءة والتقدير.
تعدّ موريسون من أبرز الكاتبات بين الزنوج في أميركا، وكانت قد عملت مستشارة ومحرّرة في إحدى دور النشر لسنوات، وذلك قبل أن تتفرّغ لعملها الخاصّ، وتحقّق النجاحات في عالم الأدب والخيال بعيدا عن عملها التحريريّ، وإصرارها على البحث عن سبيل لتحقيق حلمها الشخصيّ الذي كان يلحّ عليها بوجوب البحث عنه وتحقيقه.
تناولت توني موريسون؛ في كتابها “صورة الآخر في الخيال الأدبي” جوانب من تأثير محيط الكاتب وتنشئته وتربيته على خياله، وكيف يتمظهر الآخر في كتابته، وكيف يتجسد هو بالنسبة للآخر بعد الكتابة. وتستذكر موريسون لحظة مواجهتها الأولى مع قلق الكتابة، وكيف حدث لها ذلك أثناء حفل موسيقي للويس أرمسترونغ، حين كانت في التاسعة عشرة أو العشرين من عمرها، وتصف كيف طفقت دقات قلبها تتسارع حتى صارت أقوى من الموسيقى، فارتجت ضلوعها وضغطت على رئتيها حتى انحبس عنهما الهواء، كما تقول، وأصابها التفكير في الموت، وسط التشنجات وضربات الأقدام والحشد الهائل بالذعر، ففزعت إلى الشارع مثل شخص أصابه مسّ.
لم تهادن في مواقفها تجاه العنصرية، وصدّرت هويّتها كامرأة من أصول أفريقية عانت الظلم والاضطهاد
عبّرت صاحبة “فردوس” عن اعتقادها بأن الكتابة والقراءة ليستا ممارستين متميزتين بشكل واضح بالنسبة إلى الكاتب، وأنهما لا تقتضيان اليقظة والاستعداد لاحتواء الجمال غير القابل للتفسير، ولا التعقيد أو الأناقة البسيطة اللذين يتسم بهما خيال الكاتب، والعالم الذي يستدعيه الخيال.
أدانت موريسون الربط بين العبودية والعنصرية والعرق، وذلك في أكثر من عمل لها، من ذلك روايتها “رحمة” التي نالت شهرة واسعة، وتؤكّد موريسون أنّ جميع الحضارات عبر التاريخ؛ اليونانية، الرومانية، الفرعونية وغيرها قامت على استغلال الطاقة العاملة واستعباد العمال، ولكن الشيء اللامعقول الذي حصل في أميركا هو هذا الربط الجائر بين العرق والعبودية. ومن هنا ربّما يكون تصريحها المدوّي واعترافها بأنها لا تكتب انتقاما من العنصرية بل لتغيير اللغة إلى لغة لا تنتقص من الناس، وأنّها لا تحمل سيفا، ولا تبتغي رد المظالم، بل تريد ملء الفراغ بصوت النساء السوداوات، وهو الأجرأ من حيث تعبيرها عن نفسها وتوجه كتابتها، ذلك أنها لم تنسلخ عن جذورها لتراضي قوى مسيطرة، ولم تتخلَّ عن هويتها بحثا عن هوية أخرى.
ابتكرت مبدعة “العين الأكثر زرقة” أسلوبها الفريد والخاص بها، اعتمدت مزج العوالم، وربّما تكون روايتها الشهيرة “جاز” أبلغ تعبير عن تجديدها وتجريبها. ذلك أن أسلوبها يوصف بأنه الأقرب إلى موسيقى الجاز الذائعة الصيت والانتشار، والتي هي ابتكار زنوج أميركا بعد الحرب العالمية الأولى. ومع التحرر الذي اجتاح الفنون والموسيقى نال الأدب حظّه من التحرّر من القيود التي تكبّله. وكتبت موريسون روايتها وكأنها تكتب نغمة جديدة من موسيقى الجاز.
جدير بالذكر أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قام بمنح موريسون وسام الميدالية الرئاسية للحرية.