الإنسان حكاية وكل ما يأتيه أو يقوم به منطلق من بؤرة حكاية أو مبني عليها.
هل البشر كائنات قصصية حقّاً؟ هل حيوات الناس حكايات مستمرة تمضي إلى نهاياتها المحتومة المتوقعة؟ هل الحكاية لعبة للتحايل على الزمن والموت؟ ألا ترسم الحكايات مصائر البشر بصيغة أو بأخرى؟ كيف تتحول بعض الأساطير إلى أحداث تاريخية توصف بأنّها موثّقة؟
تمتلك الحكايات قوة إقناع كبيرة، وتلعب دوراً في تهيئة الآخرين، القرّاء أو المستمعين، لتقبّل ما يُحكى لهم، وإدخالهم لعبة القصّ التي تمضي في دوائر متسلسلة تتجدّد كلّ مرّة بحسب الظروف المصاحبة.
إذا كان الموت هو النهاية التي لا مهرب منها، فإنّ الحكايات تمثل دروباً مفضية إلى النهاية المكتوبة، لكنها تتفنّن في حياكة التفاصيل وصياغة المصائر والحيوات، بحيث تجعل كلّ حياة عالماً بحدّ ذاته، وتشغل الآخر عن النهاية وتوهمه بأنّه قد يعثر على نهاية أخرى.
قد يكون طريق الحكاية أكثر متعة وتشويقاً من الوصول إلى نهايتها، لأنّ الطريق يتأسّس علىجماليات التخييل التي تخلّق في عوالم لانهائية، وتلهي صاحبها عن المصير، تبقيه في دوّامة التفاصيل التي تزيّن له ماضيه وحاضره، وتبقيه متأهّباً بانتظار غده.
يلفت بعض الباحثين إلى أن القصص تجعل المجتمعات تعمل بشكل أفضل، بالتشجيع على التصرف بأخلاقية، وأنها تغمر الناس بالمبادئ والقيم القوية نفسها التي تغمرهم بها الأساطير المقدسة، ويرى أن البشر يعيشون قدراً عظيماً من حياتهم داخل القصص الخيالية، أي في عوالم يقر فيها الخير عموماً ويُثاب، ويدأب فيها الخير ويعاقَب. ولا تعكس هذه الأنماط قاعدة أخلاقية في نفسية البشر فحسب، بل إنها تعززها أيضاً.
لربّما يندرج كلّ فعل بشريّ في سياق حكاية الحياة نفسها، ولا يخفى أنّ هناك حكاية رابضة وراء فعل ما، تكون دافعة ومحرّضة وملهمة للبحث عن صيغ لإتمامها، أو تطويرها، وأحياناً تكون آليات بناء الحكاية أكثر إمتاعاً وفائدة من الحكاية عينها، لما تحمله من عبر ودروس حياتية، وحكائية معاً.
لا يتعلّق أمر الحكاية بكيفية الحكي، بقدر ما يتعلقّ بهويتها ككينونة تخطّ مصائر، وتحمل معارف، وتنحو صوب الأسطرة لتغدو عالماً بذاتها، أو مجالاً مفتوحاً على الإضافة والتعديل بحسب مقتضيات العصر. وقد يصحّ القول بأنّ الإنسان حكاية، وكل ما يأتيه أو يقوم به، منطلق من بؤرة حكاية أو مبني عليها.