حكاية الرواية الأولى

لكلّ امرئ حكاياته الكثيرة، المثيرة، الغرائبيّة، الساحرة، وأسراره التي تشكّل وقود الذاكرة، وتؤمّن مواساة لصاحبها، ومن الطبيعيّ أن تكون تلك الحكايات وما تشتمل عليه من أسرار مفاتيح للإبداع والاكتشاف.

صدر عن دار قنديل للطباعة والنشر والتوزيع في دبي كتاب “حكاية الرواية الأولى” من إعداد وتقديم الكاتب والروائيّ السوري هيثم حسين، المقيم في المملكة المتّحدة، وقد شارك فيه 30 روائياً من 16 دولة عربية.

وقد اشتمل الكتاب على حكايات نخبة متميزة مؤلفة من ثلاثين روائياً وروائية من 16 دولة عربية، وهم: إبراهيم الحجري، طارق بكاري، هشام ناجح (المغرب). إسماعيل يبرير (الجزائر).بدر أحمد علي، وجدي الأهدل (اليمن). جلال برجس (الأردن). جورج يرَق، ناتالي الخوري غريب (لبنان).

  •  صدرت عن دار قنديل للطباعة والنشر والتوزيع في دبي

حجّي جابر، عبد القادر مسلم (إرتريا). دُنى غالي، عبد الهادي سعدون، ميادة خليل (العراق). رزان نعيم المغربيّ، محمد الأصفر (ليبيا). زكريا عبد الجواد (مصر). سليمان المعمري (عُمان). عاطف أبو سيف، ليانة بدر، وداد طه (فلسطين). عماد البليك، منصور الصويم (السودان). فوّاز حدّاد، موسى رحوم عباس، هيفاء بيطار (سوريا). ماجد سليمان (السعودية). محمد ولد محمد سالم (موريتانيا). ميس خالد العثمان، ناصر الظفيري (الكويت). 

أِشار الروائي هيثم حسين إلى أن الكتاب هو الأوّل من نوعه عربيّاً، ومن الكتب التي تهمّ القرّاء والكتاب على حدّ سواء. كما يعدّ من الكتب التي تحفّز على الابتكار والإبداع، وتحرّض لدى القرّاء الرغبة والقدرة على التجريب وخوض مغامرة الكتابة. 

وتحدّث حسين عن أهمية مشاركة هؤلاء الكتّاب الذي يعدّون من بين أهمّ الكتّاب على الساحة الروائية العربية. قال: “نعمل في موقع “الرواية نت” على تقديم سلسلة في هذا السياق، ونأمل باستقطاب روائيّين وروائيات من أنحاء العالم كافة، وبالتعاون مع دور نشر عالمية وعربية”. 

ممّا جاء في المقدمة التي كتبها هيثم حسين بعنوان: “هل الإنسان إلّا حكاية..!”: 

درج الروائيّون على تدبيج الحكايات ونسجها وتحبيك خيوطها وتفاصيلها، أي يضطلعون بأسرار الكتابة والحكاية، ولا ينفكّون يقتحمون غمارها رواية بعد أخرى، يلوذون بالخيال ليكون معبرهم إلى حكاياتهم وواقعهم، لكن في “حكاية الرواية الأولى” يكون اللجوء إلى الذاكرة، وتقصّي بعض المخبوء في خطوة البدايات، تلك التي لا تخلو من مشقّة ومغامرة وروعة في الوقت نفسه. 

لا يحتاج الروائيّ إلى التخييل في توثيق حكاية روايته الأولى لتكون شاهدة، كاشفة، وربّما فاضحة، لبعض أسراره، لأنّه يعود ببساطة إلى ذاك الشخص الذي كانه، ذاك المتردّد في خطوه الأدبيّ، الباحث عن موطئ كلمة له في ميدان غير مقيّد بحدود أو قيود،  عالم فضاؤه الحرّيّة والإبداع، ويكون محمّلاً بمسؤوليّة تاريخيّة، لأنّه سيكون مرسال الحاضر إلى المستقبل، مرسال الأمس إلى حاضره، وقلمه المدوّن للتفاصيل والأسرار والوقائع والمستجدّات، وحتّى المتخيّل منها ينطلق من نقاط وجذور وبؤر واقعيّة. 

قد يداور الروائيّ في نثر شخصيّته على شخصيّات أعماله، يرسم مصائرها التي قد لا توافق هوى قرّائه، لكنّه لن يلجأ إلى المداورة في تدوين حكاية روايته الأولى، لأنّها جواز مروره إلى تاريخه وذاكرته، والروائي يكون مقتفي أثر ذاته إلى ذاكرته. 

ليس بالضرورة أن تكون الرواية الأولى للكاتب هي تلك التي تحمل الرقم واحد في تاريخ نشره، بل قد تكون تلك الرواية الضائعة منه، أو تلك التي لم يتفرّغ بعد لكتابتها وتوثيقها وما يزال يحلم بها، كما قد تكون تلك التي دفعته إلى كتابة روايته الأولى المنشورة، وربّما في أرشيف كلّ روائيّ بذور عدد من الحكايات المتزامنة التي تتنافس لتحظى بلقب الأولى، لكنّها تؤثر جمالية العتمة ولذّة الخفاء والتواري بانتظار فتح صندوق الذاكرة وتحريرها من جمالياتها ولذائذها لتمنح بعضاً منها للمتلقّين والقرّاء. 

لكلّ امرئ حكاياته الكثيرة، المثيرة، الغرائبيّة، الساحرة، وأسراره التي تشكّل وقود الذاكرة، وتؤمّن مواساة لصاحبها، ومن الطبيعيّ أن تكون تلك الحكايات وما تشتمل عليه من أسرار مفاتيح للإبداع والاكتشاف.  

الروائيّون سفراء الخيال إلى الواقع وموفدو الواقع إلى الخيال في الوقت نفسه، يمضون في طريق ذي اتّجاهين. يعملون على كشف درر الأعماق المخبوءة في داخل الإنسان، يمضون لتجميل الحياة الإنسانيّة بالأدب، لا يقفون عند حدود أو قيود في كشفهم وتعريتهم وتوثيقهم وسردهم وتخييلهم، يبتدعون عوالمهم التي قد تنافس الواقع في تفاصيله ومصادفاته الدائمة. 

السرّ يكمن في الحكاية دوماً. سواء انطلقنا من فكرة أنّ الرواية تتمحور حول فكرة: كيف تحكي حكاية؟! أو هل الرواية هي فقط حكاية؟! ابحث عن الحكاية وفيها. 

ثلاثون روائيّاً وروائيّة من عدد من الدول العربيّة يكتبون حكايات رواياتهم الأولى؛ حكايات الجمال والشقاء والأمل والحنين، حكايات الحبّ والصراخ والتجريب. يتذكّرون ليذّكروا بما كان وما صار، وبجزء ممّا يتأمّلون أن تفضي إليه في زمن قادم على اعتبار أنّ الكلمة لا تقف عند حدود زمان أو مكان، بل تكمل رحلتها بمعزل عن أصحابها وحضورهم. هي الحاضرة دوماً برغم غياب أصحابها. والحكايات هي الكلمات الحاضرة رغماً عن أنف الزمن والغياب. 

في “حكاية الرواية الأولى” روائيّون وروائيّات حقّقوا نجاحات في عالم الإبداع الروائيّ، وآخرون سائرون على درب الإبداع باحثين عن دروبهم في هذا العالم المفعم بالمفاجآت المدهشة، بالموازاة مع الصدمات والهزائم الصغيرة الرابضة على مفترقات النجاح والإبداع. 

“حكاية الرواية الأولى” إطلالة على عالم الروائيّين الحميميّ، نافذة يحكي فيها الروائيّون حكايات رواياتهم الأولى، ما صاحبها من مغامرة، شغف، متعة، مشقّة، تحدٍّ، صراع، إرادة، مكابدة، ومصابرة. وكيف أنّها شكّلت عتبة دخولهم إلى عالم الرواية الساحر، ليؤثّثوا معمارهم الروائيّ، ويبلوروا هويّاتهم السرديّة الحكائيّة في هذا العالم الثريّ. 

هل الإنسان إلّا حكاية؟! هل الكاتب إلّا حكاياته التي تبني شخصيّته وتوجّهه في هذا الاتّجاه أو ذاك؟ 

فلنقرأ الحكايات ولنكتشف شخصيّات أصحابها.

© Copyright 2020. All Rights Reserved