رواية (إبرة الرعب) لهيثم حسين: خلفيات فساد المجتمع السوري!

عبد السلام الشبلي

لابد أن هذا المجتمع الذي أفرز كل هذه القتامة في سوريا، خلال نحو أربعة أعوام من الثورة، يستند في أساسه إلى جبل من الفساد التاريخي، القائم على الفعل الخاطئ ،وما يعادله من ردة، تساويه وتنعكس على أي شيء فيه.

من هذا المنطلق، يدخلنا الروائي السوري والناقد السوري هيثم حسين، في غياهب الرعب الذي استشرى في سوريا عبر صفحات روايته ” إبرة الرعب ” الصادرة عن منشورات ضفاف /بيروت 2013.
في ظروف شاذة، تنشأ شخصية “رضوان” محور الرواية، مشبعة بكل ما شرّبها المجتمع به، من أفكار مريضة، ونزاعات انتقامية من تلك الدوائر المليئة بالشر، ليتحول الفكر إلى سلوك انتقامي، ينغمس بالفساد والقذارة، ملوثا كل ما يمر به بتلك الصفات.

رضوان ابن القرية الكردية الغائبة مجتمعيا، الفقيرة اقتصاديا، المقتولة بأفكارها المتخلفة، يكبر مع فشله بتحصيل العلم ،ليكون كغيره من الشباب عنصرا في “جيش الوطن”، ويأتي فرزه إلى مستوصف عسكري ريفي، قائده فاسد، وكل ما فيه مبني على اللاأخلاق ،حيث تنمو هناك بذرة الفساد التي زرعت في نفس رضوان ،ليتحول إلى قاتل بعد أن يضع قذارة فعله في فتاة ” مجنونة ” ويفتك بها، مبررا فعله بإراحتها من حياتها المتعبة.

رغبات رضوان تفتح أبواب الفساد الاخرى أمامه، فيذهب إلى قريته، حيث يبدأ بعملية الانتقام من أهلها، الذين طالما عابوه وأسرته، ونشروا الشائعات حول والده المختفي ،فلا يترك أحدا من القرية، إلا و يفرغ فيه شهوته الدنسة، مستغلا الرغبات المكبوتة لدى نساء القرية تارة، والجهل تارة أخرى، متخفيا وراء قدرته الكاذبة على غرز الإبر، التي اكتسبها خلال عمله في مستوصف الجيش.

يهرب رضوان من القرية، بعد أن كسر إبرته في ابن المختار ،لكن الشر يكبر فيه كمثال مصغر ،لكبره في المجتمع السوري ،فتزيد ضحاياه بعد أن يشارك بتجارة أعضاء البشر في المشفى التي وظف فيها، تاركا خلف ظهره كل قيمة إنسانية ممكن أن تردعه، لكنه يقع في المحظور ويضطر إلى مغادرة دمشق، تاركا وراءه جرائمه التي لا تحصى، وباحثا عن صديق الرذيلة “نضال”، الذي ضرب بعادات مجتمعه عرض الحائط، متحولا إلى أنثى، ومؤسسا لشبكة تدافع عن حقوق متحولي الجنس.

يدخل رضوان عالما جديدا عبر الانترنت، يثري معلوماته ويزيد قدراته، ويحاول أن يكون صاحبة قضية، إلا أن لحظة مفاجئة، تنهي صديقه نضال “المتحول” بحرق منزله وخطفه من قبل مجهولين، ويبقى هو في مهب الضياع في نهاية مفتوحة لتأويل القارئ، يمكن إسقاطها على أي من نهايات المجتمع السوري.

هذا السرد الشيق، الكاسر لتابوهات المجتمع وأعرافه، يجعل لقراءة رواية “إبرة الرعب” نكهة أخرى، حيث تمكن هيثم حسين من دسها في عقل القارئ بطريقة تجعل من الصعب الفكاك منها، نتيجة لتصاعد الاحداث فيها بإسلوب جريء، يجعل النهايات غير متوقعة ومفتوحة بجميع زواياها ،بما يثير خيال القارئ لمتابعة الرواية حتى بعد إنتهاء صفحاتها.

الرواية لا تمثل حكاية لقصة تخيلها الكاتب وعاش شخصياتها فحسب، بل هي ذات منبع واقعي، يجول في جنبات مرعبة وفاجئة من المجتمع، فتحكي بأسلوب علم النفس المفسر لأثر المجتمعات المشوهة على الأفراد من حيث انتشار الشرور والفساد المتأصل في قيادات الدولة الحاملة لهم الوطن، ويناقش تلك الأفعال الرذيلة التي تغزو باطن المجتمع، و تندلع في مؤخرات الحيوات الفردية، دون أن يشعر بها الناس مع أنها تفتك بهم كالوباء الذي يستشري فجأة بعد أن يصبح من الصعب اللاحق فيه.
كما تلمس جانبا مهما، يعاني منه السوري حتى اليوم، متمثلا في أشخاص، استغلوا الحرب الأهلية اللبنانية، فحولوا لبنان إلى مزرعة لهم، يحكموه ويسرقونه بعلم كبار قادتهم، الذين فتحوا لهم باب التجاوز على وسعه، ليفعلوا ما شاؤوا في القطر المنكوب بالحرب.

عينات من المجتمع استطاع الروائي، توصيفها بدقة متناهية، في محاولة لتبيان المخاطر التي كان ومازالت تحيط بالمجتمع السوري ،في ظل الظلم وغياب الدولة الحقيقة العادلة، والإغراب عن مصلحة البلاد لصالح المصالح الشخصية من قبل المسؤوليين، ما جعل التدهور والضياع سمة المجتمع السوري الأساسية.

(إبرة الرعب)، رواية خلقت المزيد من الأسئلة حول المجتمع السوري، في عهد نظام المصالح “نظام البعث”، وأنتجت صورة جديدة للمجتمع، غير تلك الصورة البراقة التي يحاول الكثير من السوريين خداع نفسه بوجودها.

عن موقع أورينت نت

© Copyright 2020. All Rights Reserved