الرواية والحياة.. أفكار جوهرية للعقول

السيد نجم

يضيء كتاب «الرواية والحياة»، لمؤلفه هيثم حسين، على قيمة الرواية وأهميتها في حياتنا. ويبدأ الكاتب:

«قد يقول قائل إن الرواية لا تشكل ضرورة ولا حتى كمالية، وإنه يمكن الاستغناء عنها، دون أن يتأذى شيء أو أحد..».

يتبنى المؤلف وجهة النظر المدافعة عن أهمية الرواية، في مواجهة من البعض، الذي قال إن الرواية نتاج عمل فردي، ولا تستلزم سوى أمور بسيطة لإنجازها.. في ما تتهم بالمبالغة، ولا ترتقي إلى مستوى الواقع.

يأتي الكتاب كمحاولة للخوض في قضايا ومواضيع مفصلية، عنون بها المؤلف فصول الكتاب الستة: الرواية والتاريخ، الرواية والسيرة الذاتية، الرواية والمغامرة، الرواية والرقص، الرواية والتخييل، الرواية والجوع. ويرى حسين أن الرواية في الحياة هي: تقليد للحياة، ومرآتها، واختصار للحياة.

وذلك بفعل قدرات الرواية على تفكيك الوقائع وإبرازها.. إذ تمهد العقول للأفكار الكبيرة، حتى وإن قيل إنها لا تغير الواقع، لكنها قادرة على بث الوعي به.. فهي تشرح، وتحلل، تنتقد وتوثق، تؤرخ وتعرض.. كل ذلك في قالب جذاب وشيق.

بدت الرواية، حسب حسين، على علاقة بالتاريخ من دواخل عدة.. فالتاريخ يشكل نبعاً يستقي منه الكتاب موضوعات رواياتهم.. وفي كل الأحوال، ربما تنبش الرواية في التاريخ، وهي ترسم خرائط المستقبل. ولكن المنتج الروائي، أيضا، كشف عن بعض الروائيين الحريصين على رصد سيرتهم بوعي وبالسرد الروائي الفني.

ذاك كما كتب سليم بركات روايتيه: «سيرة الصبا» و«الجندب الجندي». وكذا الفرنسي جان مارى في روايته «الأريقي». وغيرهما. ثم كان الربط بين الرواية والمغامرة، ويقول المؤلف: هل الرابط هو كون كل رواية هي مغامرة متجددة؟ فالمغامرة هي الاندفاع والمجازفة والتهور والوعي والبطولة، المغامرة، إذاً هي وقود الرواية.. صوتها وصداها.

ويستعرض حسين خوض الرواية في القضايا، مبيناً أنه ربما يعد مغامرة، مغامرة التحدي. ذلك كما مع قضايا التهميش والعنف والمستقبل. وهو ما فعله الروائي الأميركي جاك لندن في رواية «أهل الهاوية». إذ قرر معايشة حياة التهميش في شرق لندن. وتسلح بكل ما يجب، لكنه انغمس وتفاعل ولم يعد مستكشفاً.

وكان طرح المؤلف في فصل الرواية والرقص، محدداً، بمعنى توضيحه أن الرقص يعبر عن الحزن كما الفرح، والكاتب هنا يشير إلى مقال إدوارد سعيد حول الراقصة «تحية كاريوكا». ويلفت إلى أن الروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس، في روايته «زوربا»، اعتمد على الرقص باعتباره محوراً من محاور الحياة. وقدم غيره من بعده التجربة نفسها، كما فعل ميلان كونديرا في رواية «رقصة الوداع». والروائي معجب الزهر في روايته «رقص».

كما ينشغل حسين بعلاقة الرواية والتخييل، باعتبار التخييل أحد أسرار الفن الروائي. ويلعب الخيال دوراً محورياً في كل أجناس الأدب. وكذا يسد الكثير من ثغرات الواقع، وإن بات الخيال إشكالية. فهناك من يقول بنهاية الخيال، كما قال المفكر الفرنسي رينيه جيرار.

كما أن هناك دراسات حول تعريف التخييل وتقنينه. ذلك بينما هناك الروايات التي تعتمد على التخييل من بين آلياتها المعاصرة، كحال الروائية التركية توهومجو في روايتها «لا حياة لي من دونك». إذ ترثي شخصاً يخصها، مات فجأة، رثاء رومانسياً فانتازياً تخيلياً.

ويتطرق المؤلف في «الرواية والجوع»، إلى كيفية معالجة الروائيين قضية الجوع في أعمالهم؟! ويقصد بالجوع ليس جوع الطعام وحسب، بل الجوع النفسي والجسدي. والذي ربما يؤدي إلى القتل.

أو ربما يصبح وباء يهلك كل من أمامه. ومن الروائيين العالميين الذين قدموا الجوع في أعمالهم، الترويجي كنوت هامسون الحائز جائزة نوبل 1920م، في روايته «الجوع». وأيضاً الروائي الفرنسي جان ماري لوكاوزيو، الحاصل على نوبل عن روايته «لازمة الجوع». وكذلك الألمانية هيرتا موللر الحائزة جائزة نوبل 2009م، في رواية «أرجوحة النفس».

كما كتب الروائي محمد البساط حول الجوع، وإن كانت رؤيته، أن الجوع لا يصيب الدول الفقيرة وحدها، بل بلغ الدول الغنية ربما بسبب فروق الأجور أو البطالة.

عن صحيفة البيان الإماراتية.

© Copyright 2020. All Rights Reserved